مقال : صفحة من تاريخ السنغال -ما بينَ “بوذا” وَ “سَاخوَر فاطمَا” – .

0
1062

بقلم الباحث المؤرخ / الحاج مور انيانغ الجلوفي
سَاخوَر فَاطمَ جُوب والده هوَ “بَارغيج” كولي كُودُ جوب الذي هاجم جيش دَمِيلْ “دي جلاوْ باسينْ فال” في القرن السابع عشر الميلادي، ثم مشى نحو التربع على عرش كجور _ تلك المملكة التي استقلت من امبراطورية جلوف العظيمة عام 1549م في معركة دانكي_ ولكن البرلمان الموجود في “انجامبور” يومئذ أبى له ذلك؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن “بارغيج كولي كود” كان رجلا عظيما ونبيلا، اشتهر بعبقريته القذة في الحرب وإدارة الجماعات، وبجيشه العرمرم أيضا الذي كان يستعين بهِ لدفع هجومات أعدائه وخصوماته. فأسرة السيد “ساخور” هم السادة والأمراء في منطقة “غيت”، منذ أن استوطن هاته المنطقة الأمير “غيدو غيت بن غيت انجاجان” مؤسس الإمبراطورية الجلوفية في القرن الثاني عشر الميلادي وقيل غير ذلك. فَيهم من ذلك اللبيب الأريب أن أسرة ساخور الشهيرة بالمجد والكرم، والشهامة والشجاعة؛ تنتمي إلى أسرة ملوك جلوف العظيمة _ لأسباب سياسية بعد وفاة الملك انجاجان هاجرَ جدهم الشهير “غيت انجاجان أسرته الأولى _ وللباحثين التركيز حول هذه القضية
فملحمة هذه القامة العظيمة تختلف عن سيرة ابنه العظيم الذي غادر المُلكَ والأرسطقراطية وحياة اللهو والمجُون ديدن آبائه وأجداده [ceddo] لما رأى شعاع دين الإنسانية تتجلى في جميع أنحاء هذه المنطقة.
[ويجدر الإشارة هنا أن القرن السادس عشر الميلادي يعد عند الباحثين قرن انتشار الاسلام في القارة السمراء انتشارا واسعا]

أسلم الأمير “سَاخوَر فاطم” على يد العالم العلامة الشيخ “مختار ندُومْبِ جوب” مؤسس قرية كوكي ومدرستها القديمة [فمدرسة كوكي الجديدة أسسها الشيخ المعلم احمد الصغير لوح رحمة الله عليه المتوفى سنة 1988م] ثم إن الأمير أحسن إسلامه بعد أن طلّق حياة اللهو والمجون، ثم ترك أرضه وملكَ آبائه لإخوانه الكرماء، حيث هاجر مع اسرته لأجل دينه الجديد الإسلام. يقول الله سبحانه وتعالى: [وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] سورة الزمر، آية 9.

أسس الأمير “ساخورْ” قرية “جِلمخَ” بإذن من مرشده الروحي، وشيخه في التربية الشيخ مختار ندُومبِ جوب، فغادر قريته الأصيلة “سغَتَا” لوجه الله تعالى وفرارا لدينه الجديد الإسلام. ويحكى بأن هذه القرية _ جلمخَ غِيتْ _ أصبحت مدينة كبيرة بعد مرور سنوات قليلة وذلك بفضل الله ومنّه. وصارت محجة التجار والطلاب في جميع منطقة وُلوفْ.
وعندما ندرس سيرة هذه الشخصية العظيمة، تسافر الخواطر والعقول إلى واحد من أكبر عظماء العالم وهو الحكيم الهندي [جواتاما سدهارتا 486/566] مؤسس الديانة البوذية، الذي غادر بعد أن عاش وقضى جل شبابه في اللهو والترف، ثم اشتهر فيما بعد بِ “بوذا” بمعنى الرجل المستنير. ولا نبالغ إذا وصفنَا الأمير ساخور فاطمَ ببوذا إفريقيا وإن لم يؤسس دينا جديدا ولا ما يشبهه بل يكفيه شرفا انه اصبح بعد إسلامه رجل إستنار منه أقرانه الأمراء، ومن صلبه أيضا انحدر جل الملوك والأمراء والعلماء الذين شهد لهم التاريخ دورا لا بأس به في تاريخ السنغال خلال القرن الثامن عشر الميلادي. ويمكن أن نذكر من هؤلاء:

1) ملك كجور العظيمة دميل ميس تندجور فال الذي رسم بطولات ضخمة في أرشيفات هذه المنطقة، وهو والد الأميرة “انغوني لاتير فال” والد الملك الثائر والاسد المحرد دميل لتجور جوب، صاحب مابا جخو با، والقاضي مام مور أنتا سل امباكي وكذلك القاضي الأريب مجختي كلا.

2). الملك الكجوري دميل لتجور انغوني لاتير جوب، قائد الثورة الكجورية الثانية في القرن التاسع عشر الميلادي، من سد نفوذ الفرنسيين في المنطقة ما يقارب عشرة عشر عاما. وجاهد في سبيل الله مع الإمام تفسير مابا جخو باه ما يقارب أربع سنوات. وكان هذا البطل الصغير من أعظم قواد المملكة الإسلامية في سالوم، وأبرز من وقف ضد السياسة الفرنساوية، توفي رحمة الله عليه عام 1886م ودفن في دِقَلِ بعد معركة حامية الوطيس مع جنود الفرنسيين المحليين.

3) الملك المسلم، والمجاهد المناضل، من ضحى بحياته لأجل الدين والوطن، الذي يعد من أشهر ملوك جلوف قاطبة، وهو الأمير البري زينب انجاي. جاهد مع الإمام مابا، كما جاهد مع خليفة الحاج عمر الفوتي أحمد شيخو تال رحمة الله عليهم. توفي هذا البطل المغوار عام 1902م في نجير.

فبي الخلاصة؛ يمكن القول بأن صاحب هذه الترجمة له مكانة مرموقة في تاريخ السنغال بصفة عامة وفي تاريخ منطقة ولوف بصفة خاصة. ولهذا فإنه من اللازم دراسة بصماته في تاريخ السنغال، ولكنه قل ما نسمع عن اسمه وناهيك عن تضحياته لأجل الإسلام. فكما أن الأمة الإسلامية تفتخر بالصحابي الجليل مصعب بن عمير وأنا _ الفقير إلى رحمة ربه _ أرى في شخصية هاته القامة نسخة أخرى لحياة ذاك الصحابي الجليل.

وعلينا أن ألا نختلط بين “ساخور فاطم جوب” الجد الأكبر للأمير لتجور جوب، وبين “ساخور سخن امبي” الذي هو والد دَميل لتجور انغوني لاتير جوب. فالسيد “ساخور سخن امبي” والده هو الشيخ الجليل الذي رسم بصمات خالدة في تاريخ السنغال وخاصة تاريخ الاسلام، وذلك بواسطة مقاوماته ونضاله وجهاده _ هو وخلفاءه من الشيوخ العلماء _ ضد الدماميل الجائرين حتى قيل بأنه _ ساخور سخن امبي _ زوجه سرين جَاتيهْ أحد بناته الكريمات وهي السيدة “سخن امبي” بعد أن مكث الشيخ ساخور في قرية صهره برهة من الزمان لأجل العلاج لجروح إصابته في بعض معاركه. ومن هذا الزواج ولد السيد “ساخور سخن امبي جوب” الذي حاول الجمع في ريعان شبابه الجمع بين الدين والسياسة في سلطنته الموجودة ب “غيت” ونحج في ذلك استرجاع ملك آبائه، بعد أن مراه جده الكبير وسميه “ساخور فاطم” وكان رميه للملك يقارب سنة 1781م.

وفاة الأمير والشيخ الداعي ساخور فاطمَ:
بعد أن دخل الأمير في الإسلام وأحسن إسلامه، ثم نجح في إقناع جمع غفير من معارفه باقتناع دينه الجديد الإسلام. كما نجح في تأسيس قريته الجديدة “جلمخ غيت” التي أصبحت فيما بعد مدينة كبيرة يراودها التجار والعلماء كل حين. تزوج من أبناء النبلاء والعظماء من الملوك والشيوخ الشرفاء، كما تزوج هؤلاء أيضا من أسرته الكريمة، ومن هؤلاء الكريمات الأميرة “فاطما جوبو جوب والدة دميل ” برام فاطما جوبو فال” الذي بسببه انتقل جده “ساخور” من منطقة “غيت” إلى منطقة “امباكول”. حيث أسس فيها قريتهم الجديدة “جلمخ امباكول” وهناك توفي الشيخ “ساخور” رحمة الله عليه.

حدثني عن “بوذا” والفرح يغمر وجهه،وبعد سماعه من ابن الوطن قصة “ساخور فاطمَا” ارسل يده الى فمِه، وسأل عن مراجع ومصادر لكي يغوص من الآن في بحر تاريخ بلده “ترانعا” العميق!

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici