مقال / بير “PUR” بعد ربع قرن من الوجود .

كتب / محمد جميل اندري .

إن الله خلق الأرض وشن لها قوانين، وخلق الإنسان ووضع له شريعة وضوابط، فلم يتركه هملا، ولم يخلقه عبثا، أعطاه العقل بصفته أكبر نعمة ينعم به العبد، وذاكرة يحفظ بها ماضيه وسرّ مجده؛ ليكون باعث انتفاضته في الحاضر،ومناط آماله في المستقبل، فظهر الناس بفلسفات وأفكار متنافرة الأصول،متباينة الغايات، متعارضة المناهج، كلٌّ يمشي قدُما لبسط السيطرة، وإدارة أحوال العباد والبلاد، وبهذه الوتيرة تناسلت الأنظمة السياسية،ووَلَدت أحزابا، وتطورت الإيدولوجيات، وولدت فئاتا وجمعيات وتكتلات سياسية، والذي يَهمنا هنا من بين هذه الأحزاب السياسية ، حزب بير (PUR)حزب الوحدة والتّجمع، والذي ترفّ عليه النسمة الخامسة والعشرون من ربيع حياته، ما بين التأسيس والتسيير، ما بين الأدوار الواعدة والتحدياتالراصدة، ما بين ماض مليء بالأحداث، وحاضر حافل بالوعود.

حزب الوحدة والتّجمع (PUR): من المؤكد أنّه بعد الندوة الفكريّة العالمية للشباب الإسلاميّ والتّي نظّمتها دائرة المسترشدين والمسترشدات عام 1989م، فكانت نادرة من نوعها، وغريبة من جنسها لأول مرّة في تاريخ هذه الأراضي، مع حضور كثيف لا مثيل له، وما تخلّفت من صدى دولية ومحليّة، ومفعول سحريّ، أصبحت الدائرة محلّ اهتمام الساسة ورجال الدولة، الذين يتصيّدون الأصوات والمتعاطفين، ما جعلهم يتقرّبون إليها، ويحسبون لها ألف حساب، لكن الدائرة أخذت مسارا جديدا، وانخرط في الساحة السياسية بشكل غير واضح، فلم تعمل تحت سقف لأيّ حزب سياسيّ، وحسبي شهادة ما مرّت بها من أحداث في عامي 1993م/ 1994م حيث تمّ اعتقال مرشدها العام، “وأكثر من مئة مسترشد ” متذرّعين بتُهم ملفّقة، وبعد أربعة سنوات من تلك الحوادث، ألّحت الحاجة إلى ضرورة إنشاء حزب سياسيّ، بعد ما رأت الحركة نفسها خاصة والسناغلة عامة ظبية تعيش في حجر الذئاب.
بين حزب بير ودائرة المسترشدين والمسترشدات: إن العلاقة بينهما علاقة أمّ بِابْنَتِه، علاوة على العلاقة التصالحية التي تربطهما، فالدائرة بمثابة المهبل أو الرُّحُم الّذي احتفظ بهذا الجنين في داخله قبل أن يعرف نورالوجود، ولم يزل يرضعه ويرعاه في حضنها إلى أن يَفطم، وسقتْها بروائع أفكارها، ونوادر آرائها إلى أن يبلغ أشدّه واستوى، وهذا لا يَعني أن الحزب استرشاديّ بحت، أعضاؤها مسترشدون، وهم أهل الحلّ والعقد، يتولون المناصب، ينصبون ويعزلون، إذِ الدستور السنغاليّ ومبادئ السيادة الوطنية والديموقراطية لم تسمح بإنشاء حزب سياسي فيه نعرة عنصرية أو دينيّة أوطائفيّة ” فهو يحذّر من أن تقدّم الأحزاب السياسية نفسها على أساس الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو الدّين، أو الطّائفة، أو اللغة، أو الجهة “لمَا يمكن أن يؤديه من مشاكل قومية، أو حروب أهليّة، لا تبقي ولا تذر، لكنه كان لابدّ لكلّ فكر من مفكّر، وكل إنجاز من منجز، وكلّ رأي من حامل، إذًا كانت الدائرة من حملت هذه الفكرة، وأَراها نور الوجود، ورأت بأنّها وإن كانت أهدافها الأولية دينية وأخلاقية، فإن السياسة جزء أصيل من الدّين، فلا يمكن الفصل بينهما، ولهذا وذاك توجد في الحزب أعضاء لا ينتمّون إلى الدائرة، وآخرون لا ينتمّون إلى الطريقة التيجانية، وغيرهم ممن ليسوا مسلمين أصلا، ، فهو حزب سياسي سنغاليّ، يرمو إلى أهداف نبيلة لصالح البلاد والمواطنين.

فجر البزوغ في أرض الوجود:


كانت ولادة هذا الحزب في 03 فبراير عام 1998م، وليس خافيا تلك المجهودات الجبارة، والمبادرة المثمرة التي “قام بها خليفة جوف، حاذيا حذو والده سودى جوف؛ ليرى الحزبُ نورَ الوجود، إلى أن تمّ في 16 يناير 2000م تنظيمُ أوّل مؤتمر له في جامعة (سَايل) حيث كان الحزب تحت رئاسة خليفة جوف وناطقه الرّسمي هو آمد سيك “، وبعد المؤتمر تمّ اختيار مصطفى سه رئيساجديدا للحزب، وكان من أوائل ما ذهب إليه” أن البلاد بأمسّ الحاجة إلى سياسة مع الأخلاق، وأن التناوب السياسيّ هو الوسيلة لتوازن المسؤوليات، وكلّ ما أطلبه من سرج شيخ أن يخبر عبد جوف بأن يترك الحكم في وقته” كما أعرب في المؤتمر نفسه قائلا: ” أن السياسيّن لم يقبلوا قط بانخراط رجال الدّين في السّاحة السياسية، ونحن ( رجال الدين) ندفع الضريبة، مثل جميع السنغاليين، وتقضي فواتير المياء، والكهرباء، ورصيد التلفون، وللتّصويت لا يقدّم رجال الدّين مصاحفَ القرآن للقيام بواجباتهم الوطنيّة بل يقدّمون بطاقات شخصيّة” وبعد ذلك المؤتمر، عمل الحزب جاهدا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2000م، فرشّح رئيسَه، وقبل ثلاثة أيام من الانتخابات تنازل الشيخ عن ترشّحـه، لحاجة في نفس يعقوب … بعد ما كان للحزب في تلك الانتخابات الرئاسيّة وزنه السياسي الذي كاد أن يأكل اليابس، لكن الحزب لم يبق مكتوف الأيدي، فقد أعطى إذنا للتصويت حسب ما تتطلبه المصلحة العامة، وتدعو إليه الفكر السّليم، بواسطة أمينه العام (عليّ بدر فال) كما هو الحال بصدور إذن آخر في الدور الثاني.


وهكذا إلى سنة إلى 2017م لم يحرك الحزب أيّ نشاط سياسيّ مُعلَن، لكنّه لم يبق على زاويته متّكئا على عصاه، أو متغنّيا بليلاه، فقد كانت له أنشطة ضمنيّة، وقرارات سياسيّة تأخذها في كلّ الانتخابات، إلى أن عاد للحزب انتعاشه من جديد في عام 2017م، فخاض الانتخابات البرلمانية في العام نفسه، وفاز على ثلاثة مقاعد ممثلا للشعب ، كما خاض بعدها بسنتين وبالتّحديد في عام 2019م الانتخابات الرئاسيّة، فرشّح الحاج إسا سال الذي انتهى به المطاف إلى المرتبة الرابعة من أصل خمسة، بمعدل 5 % من أصوات الشعب، ومازال لحدّ الآن يلعب دوره في الحلبة السياسيّة مع اتلاف (تحرير الشّعب)، ما أضاف له قوّة على قوّته، ففاز على رئاسة خمس بلديّات في الانتخابات المحليّة في يناير2022م، وأحد عشر نائبا في الانتخابات التّشريعيّة في يوليو2022م من أعضاء الحزب في بوتقة هذا الاتلاف الذي يعدّ هو إحدى دعائمها الثلاثة .


ونقول على سبيل الختم بأنّ الحزب يقدّم السيادة على أساس الأخلاق، ويرى ضرورة بناء الإنسان قبل تعمير الوطن، وأنّ الإنسان لا يتغيّر باللوائح الإداريّة، ولا بالتنظيمات الشّكلية، ولا بالأوامر العسكرية، بل لا بدّ من إضاءة عقله، وإحياء ضميره، وتزكيّة نفسه، وشحذ إرادته، وتهذيب سلوكه، وهذه ليست نباتا شيطانيّا يظهر بدون زارع أو زراعة، يتطلّب إلى تغيير أهدافه ومعتقداته ونظريته للحياة، فالحزب كان ومازال يعمل جاهدا على تحقيق أهدافه، غير أنّه ينقصه الانفتاحُ والولوج الحقيقيُّ في عالم السياسة، بقبول رعوناتها وتضاريسها، والتعرّض لخدوشها وجروحها، فكأنّه دائما يفضل البقاء في بوتقته الضيقة، ويرفض التّعرض لكل ما يشين العرض، وينهك الحرمة في منطقة من أكثر المناطق تعرّضا للرجل السياسي ـ وربّما بسبب التّربية الدّينيّة الّتي تلقّاها أكثر أعضائه.

                                  الكاتب: محمد جميل اندوي