مقال / اَلْهِجْرَةُ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ، أَسْبَـابُهَـا، وَنَتَائِجُهَا، وَطُرُقُ مُعَالَجَتِـهَا .

0
586

بقلم / عَاشِقِ الضَّادِ: مُــودُ جُوفْ الغاتيِّ✍🏿

الحمدُ للَّٰهِ الآَمِرِ بَطلَبِ الرِّزقِ والاِكتسابِ والنّاهي عنِ التَّهاوُنِ والتَّكاسُلِ وتعطيلِ الأَسْبابِ، القائلِ في محكمِ تنزيلِه: ” هو الّذي جَعَلَ لَكمُ الأرضَ ذلولا فامشُوا في منَاكبِها وكلُوا مِن رزقِه وإليهِ النًّشورُ” سورة الْمُلْك (15) وقال أيضًا:” إنَّ الَّذين تعبدُونَ منْ دونِ اللهِ لا يملِكونَ لَكُمْ رِزْقًا فابْتَغُوا عند الله الرِّزْقِ واعبُدُوه واشكروا لَـــهُ إِليهِ تُرجَعُونَ” سورة العنكبوت(17). والصَّلاةُ والسَّلامُ على منْ بُعِثَ رحمةً للعالمينَ محمَّدٍ الأَمينِ وعلى آلِه وَصَحْبِـهِ الغُرِّ الميامينِ.
وبعدُ، فَالمَوضوعُ الّذي من بينِ أيدينَا يتناوَلُ ظاهرِةً اجْتِماعيَّةً واسِعَةَ النِّطاقِ، كَثيرةَ المخاطرِ، وخاصّةً في شبابِ الدُّوَلِ الْمُتَخلِّفَةِ؛ ألا وهي ظاهرةُ المُغامراتِ البحريَّةِ أو ما تُسمَّى بالهجرةِ غيرِ الشَّرعيَّةِ. وعليهِ نطرحُ هذهِ التّساؤلاتِ: كيفَ اهتمَّ الإِسلامُ بالنَّفْسِ البشَريَّةِ؟ وماهي أهمُّ أسبابِ انْتشارِ هذه الظَّاهرةِ وآثارُها؟ وماهي طرقُ مُعالجتِها؟
وفي هذه السّطورِ التَّاليةِ سوفَ نقومُ بالحديثِ عنها بالتَّفصيل.
لقد اتَّفَقَتِ الشَّرائِعُ السَّمَـــاويَّةُ وعقلاءُ بني آدمَ أنَّ ما يصلُحُ به حالُ البشرِ هو حفظُهم لِخَمْسَةِ أُصولٍ أو م ما يُطلَقُ عليهِ بالضَّروريَّاتِ الخمسةِ وهي حفظُ الدِّينِ، والنّفسِ، والعقلِ، والمالِ، والنّسْلِ. وحديثُنا هذه المرَّةَ عنِ النَّفسِ؛ هذه الضَّرورةُ الَّتي جاءتْ شريعةُ الإسلامِ فَوضعتْ لــها منَ الأحكامِ ما يحفظُها ويُحَقِّقُ لها كُلَّ المًصالحِ ويدرَاُ عَنْهَا جَمِيعَ الْمفاسِدَ. وحرَصَ أشَدَّ الحِرْصِ على حمايَتِها بشَتَّى الوسائلِ وهدَّد من يسْتَحِلُّها بأشَدِّ أنواعِ العقوباتِ قال تعالى:” وأنفِقُوا في سبيلِ اللَّٰهِ ولا تُلقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ…” البقرة(115) وقال أيضًا:” ولا تَقْتُلُوا أنفسَكُمْ إنَّ اللَّٰهَ كان بِكُمْ رحيمًا” النِّساء(29). حيثُ حرَّمَ تَحْرِيضَ المرءِ لِنَفْسِهِ الموتَ ثمَّ رتَّبَ على فاعِلِه عقوبةً قاسيَةً فِي قَوْلِه:” وَمَن يَفعلْ ذلكــ عُدْوانًا وظُلْمًا فسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا وكان ذلك عَلَى اللَّٰهِ يسيرًا” النِّساء(30). ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فيما رواهُ الشّيخانِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلَّــمَ قالَ:” منْ قتلَ نفسَه بحديدةٍ فحديدتُهُ في يدهِ يتوجَّأُ بِها في بطنِهِ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا أَبَدًا. ومَن شرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فهو يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا. ومَن تردَّى مِنْ جَبَلٍ فقتَلَ نَفْسَهُ فهو يتردَّى في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا”.
وقدْ رأينا في الآونةِ الأخيرةِ أنَّ كثيرًا مِنْ شُبَّانِ دُوَلِنا يُخاطِرونَ بِحَياتِهم قَاصِدِينَ دُوَلَ الغَرْبِ، تاركينَ أرْضَهُمْ الَّتي وُلِدُوا فيها ووالدِيهِمْ الَّذينَ احتضَنُوهُمْ واعْتَنَوْا بِتَربيتهم منذُ نعومةِ أظفارِهم، لاجِئِينَ إلى أرضٍ لا مأوى لهم فيها ولا أمانَ، متحمِّلينَ لَسَعَاتِ البردِ القارسِ، متغطِّينَ بسُدولِ البحرِ الهائجِ. هدَفُهُمُ الوحيدُ هو الوصولُ إلى أوروبا ليعيشُوا بَقِيَّةَ حياتِهِمْ مكرَّمينَ مُحْتَرَمِينَ. يُهاجِرُونَ وفاتِحةُ رِحْلَتِهمْ مَقُولَةُ:” إِلَى بَرْسَا أوِ البَرْزَخ” ولا ضَيْرَ فِي الْبَحْثِ عَنْ مُقَوِّمَاتِ الْعَيْشِ الرَّفِيهِ؛ إِذِ الإنسانُ منذُ قُرونٍ مَضَتْ وهو يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آَخَرَ يَبْحَثُ عنِ القُوتِ والمَأْوى أو يَهْرُبُ من الكوارث الطّبيعيَّةِ أوِ الحروبِ طَالِبًا الْأمْنَ والسَّلامَ. وهذِهِ التَّنَقُّلاتُ بينَ المَناطِقِ ظَلَّتْ -وَمَا زَالَتْ- سَارِيَةً فِي صورَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ: هجرةٍ داخليَّةٍ وأُخْرَى خارجيَّةٍ دُوَليَّةٍ.
ولا يخفَى عَلَى ذي لُبٍّ حَصِيفٍ أنَّ الإنسانَ مجبولٌ على حبِّ الْحَياةِ الرَّغِيدَةِ والاِستقرارِ؛ وخيرُ دليلٍ على هذا قولُ الباري تباركَ وتعالى:” وإنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ” فما الدَّافعُ الّذِي يَدْعُوهمْ لِتخطِّي هذه الخطوةِ الجريئَةِ والخطيرةِ؟!
منَ الواضِحِ جدًّا أنَّ هناكَ جُمْلَةً مِنَ الأسبابِ أَلْجَأَتْ هَؤَلَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إِلى المُجازَفَةِ بحياتِهم الغاليةِ النَّفيسةِ، و سُلُوكِ هَذَا الطَّرِيقِ الْمَحْفُوفِ بِالْمَخَاطِرِ؛ وسنذكُرُ منها على سبيلِ المثالِ لا الحَصْرِ مَا يلِي:
1 -اَلْجَهْلُ وَالْأُمِّيَّةُ : فمُعظَمُ هؤلاءِ المُهاجِرين مِنَ العامَّةِ، وَالْمُتَعَلِّمُـونَ مِنْهُمْ أَقَلَّ نِسْبَةً إِذَا مَا قُورِنُوا بِالْآَخَرِينَ.
2 -اَلْفَقْرُ الْمُدْقِعُ والتَّعَطُّلُ عنِ الْعملِ لَدى كثيرٍ مِنَ الشَّبابِ: هذا لأنَّ الدَّافِعَ الْأَوَّلَ لِهِجْرَةِ الشَّبابِ في العصرِ الحاضِرِ هو شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلى الحُصولِ على عَمَلٍ يَأْمَنُ لَهُمْ مَا يَعُولُونَ بِـهِ أَهْلِيهِمْ وَذَوِيهِمْ.
3 -تَهْميشُ الْحُكُوماتِ لهمْ وعَدمُ اسْتِغْلالِ الْمَوارِدِ الطَّبيعيَّةِ لَدَيْها : بَلْ وَتَبِيعُ أكثرَ مُنتَجاتِها فائِدَةً للدُّوَلِ الغربِيَّةِ، ثُمَّ تبقى متفرِّجَةً وتترُكُ شَعْبَها، يُعَانِي مَا يُعَانِي،مهدُومَ الْحَقِّ مكْسُورَ الْجَناحِ…
3 -اَلْحَضُّ الشَّديدُ مِنْ قِبَلِ الْأَولياءِ لِأَولادِهِمْ الْعاطِلِينَ عنِ الْعَمَلِ على البحثِ عنِ العمل وبِأَيِّ طَريقَةٍ: وهذا ما يفرِضُهُ الْمُجْتمعُ أيضًا؛ إِذْ لا يُعارُ السَّمعُ فيهِ إلَّا للأَغْنِياءِ وَأربابِ الأعمالِ؛ وهذا ما يجعلُهمْ يشبَعُون الحياةَ وَيَسْأَمُونَ تَكَالِيفَهَا، ولو بَحَثُوا عَنْ حَتْفِهُمْ بِأََظْلَافِهِمْ في البحرِ.
وبصِفَةٍ عامَّةٍ فَاللَّاجِئُ المهاجِرُ لا يَهْنَأُ بالحياةِ السَّعيدةِ إلَّا بشِقِّ النَّفس وبَذْلِ النَّفيسِ في الْمَهْجَرِ، وسَيُنظَرُ إِلَيْهِ فِيهِ كَأَداةٍ عملٍ فقط. أمَّا الْحُلولُ الْمُقْتَرَحَةُ لِعِلاجِ هذه الظَّاهرةِ فهي كـــالتَّالي:
1 -إِعادةُ بناءِ النِّظَامِ التَّعليميِّ: وخاصَّةً فِيما يتعلَّقُ بتعلُّمِ الزِّراعةِ وتربيةِ الْمَواشي والتَّقْنِيَّاتِ الْحديثةِ، وتكــوينُ خُبراءَ مُتَخَصِّصِينَ في هذه المجالاتِ.
2- إِنشاء مصَانِعَ صِناعيَّةٍ يتوفَّرُ فيها العملُ للشَّعْبِ : سواءٌ من قِبَلِ أَغنياءِ الدَّوْلَةِ أوْ مِنْ قِبَلِ الحكومةِ نَفْسِهَـــا.
3 -إِعادَةُ الْحُكُــومةِ النَّظَرَ في مواثِيقِها الدُّوَليَّةِ ودَساتِيرِها الوطنيَّةِ ؛ فتكالِيفُ السَّفَرِ إلى الخارِجِ غاليَةٌ والحصولُ على التّذاكِــرِ صَعْبٌ للغايَةِ، بَيْنَمَا يُمْكُنِ للمُتعسِّرِ العُبُورُ فِي البحرِ عَبْرَ القواربِ والزَّوارِقِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ورُبَّمَا سافرًا مَجانًا.
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ، فَإنَّ العُدْوانَ على النَّفسِ ليسَ وراءَهُ إِلَّا اضْطِرابُ الأمنِ وسوءُ أحوالِ الْبِلادِ في كافَّةِ المجالاتِ، وخاصَّةً العدوانَ عليها بالقتلِ لِما يترتَّبُ عليهِ من ترمُّلِ النِّساءِ وتَيْتِيمِ الأطفالِ وخرابِ البُيُوتِ. وَأَيُّ دَوْلَةٍ كَانَتْ هَكَذَا حَالُــهَا، فَكَبِّرُوا عَلَيْهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ وُجُـودَهَا كَالْعَـدَمِ، وَالسّلَامُ….
نَسْألُ اللَّٰهَ -تباركَ وتعالَى- أن يتغمَّدَ كُلَّ الغارقينَ بِشَآَبيبِ رَحْمَتِهِ الواسعة ويُلْهِمَ ذَوِيهِمُ الصَّبْرَ والسَّلْوَانَ ويُدْخلَهُم جنَّاتِ النَّعيمِ.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici