مائةُ عامٍ ومائةُ كلمةٍ على البروفيسور شيخ أنت جوب

0
790

بقلم الباحث / شيخ ماجور فال الأزهري اللوروي

من طبيعة هذه الأمة السوداء أنَّها لا تعترف قيمةَ أيّ ذي قيمة إلّا بعد ارتحاله إلى الدار الأبدية، أو إذا عرفت قيمتَه فلا تعترف بها إلا بعد موته.. ولذلك يعسر على كل من يدعو إلى دين أو فلسفة ما أن ينشر دعوته بوجه محمود. يقول الشيخ أحمد التيجاني المكتوم

إنَّ من الأسماء مالا تنساه هذه القارة، وإنَّ من الشخصيات من لاتزال صورتهم ترفرف في جوِّ هذه القارة الخضراء الشاسعة، من برايا إلى فيكتوريا ومن دكار إلى أنتاناناريفو بمدغشقر مرورا ببوجمبورا وصولا إلى أبوجا، ومن أبرز هؤلاء العظماء وألمع هؤلاء الفطاحل والبهاليل المؤرخ والعالم السنغالي وعالم المصريات شيخ أنت ديوب الذي تبجح التاريخ وتباهى برسم اسمه على جدران العظماء.
مولده ونشأته:


في أدغال السّنغال في قرية “تِييتُو” الواقعة في إقليم جوربيل أبصر النور البرفسور شيخ أنت في التاسع والعشرين من ديسمبر عام 1923م، وقد سُمي بالعالم الجليل شيخ أنت امباك أحد أتباع الشيخ أحمد بمبا مؤسس الطريقة المريدية.
وقد نشأ البرفسور في أسرة كريمة ومشهورة بالعلم والدّين، وهي أسرة “الشيخ مختار نومبي ديوب” مؤسس قرية كوكي ومدرستها القديمة العريقة في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي .
تعليمه:
ابتدأ شيخ أنت ديوب تعليمه الأول بدراسة القرآن الكريم -كجُل مُسلمي السنغال- في 1927، ويذهب بعض الباحثين إلى أنَّ الشيخ أحمد بمبــــــا هو أول من لقنه حرفا من الكتاب، ثم التحق بالمدرسة الفرنسية الموجودة في جوربيل وقتئذ حتى حصل على الشهادة الابتدائية.
وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية شدَّ الرحال صوب مدينة دكار والتحق بثانوية “لمين غي” وفيها حصل على الشهادة الثانوية، وقد حصل على شهادتين في نفس العام؛ شهادة البكالوريا في الرياضيات شهر يوليو، وشهادة أخرى في الفلسفة شهر أكتوبر.
وبعد ذلك حصل على منحة وسافر إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا فيها، فالتحق بجامعة السوربون العريقة وحصل على شهادة الإجازة في الفلسفة عام 1948م، وفي 1950م حصل على شهادتين في الكيمياء العامة والكيمياء التطبيقية، وبعد رفض أطروحته بعنوان “من هم المصريون القدماء قبل عهد الأسر” تحت إشراف العالم مارسيل غريول، بادر إلى إصداره في كتاب “الأصل الأفريقي للحضارة بين الحقيقية والأسطورة” الذي أثار ضجة كبيرة بين أواسط المثقفين والبحثين الأوروبيين.
وفي 1957 شرع في دراسات متخصصة في الفيزياء النووية تحت إشراف العالم النووي فردريك جوليو كوري، وقد ترجم أجزاء من النظرة النسبية لألبرت آينشتاين إلى اللغة الولوفية.
حياته الأسرية:
لقد تزوج شيخ أنت ديوب بسيدة فرنسية تدعى لويز ماري مايس المتخصصة في التاريخ والجغرافيا وقد رزقا بأربعة أبناء.
حياته السياسية:
انضم شيخ أنت ديوب إلى حزب التجمع الديمقراطي الأفريقي في 1950م، وأصبح أمينا عاما لمنظمته الطلابية، وبعد عودته إلى السنغال في 1976 تحديدا أسس حزبا سياسيا حمل اسم “التجمع الوطني الديمقراطي” وخاض معركة سياسية وقانونية مع الرئيس السنغالي آنذاك ليوبولد سنغور الذي سعى للإطاحة به وبحزبه، وقد نجح في ذلك عندما غير الرئيس سنغور الدستور لتحديد الأحزاب السياسية في السنغال، كما منع هذا الأخير إصدار جريدته اليومية الذي يعبر فيها عن أفكاره السياسية ومشروعاته.
وبعد وصول الرئيس عبد ديوف إلى سدة الحكم وأطلق الحريات السياسية، استأنف شيخ أنت ديوب تحركاته السياسية وشارك حزبه في الانتخابات البرلمانية عام 1983م وحصل على مقعد واحد.

شيخ أنت عالم المصريات:


لقد قدّم شيخ أنت ديوب من خلال مؤلفاته براهن وحجج عديدة لدعم موقفه من الحضارة المصرية القديمة على كونها حضارة زنجية بحتة، وقد دعم رأيه بحجج تاريخية واجتماعية وسياسية ولغوية كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
شيخ أنت البنافريقي:
لقد كان شيخ أنت من أوائل المنادين إلى بناء أفريقية واحدة وموحدة، وقد وضع أسس نظريته في بناء أفريقيا موحدة في بعض كتبه، وقد كان على قناعة تامة بأن ازدهار أفريقيا لا يتم إلا بعد تماسك شعوبها وتكاتفها.
أهم إنجازاته:
وقد برز البروفسور شيخ أنت ديوب في الكتابة ونبغ فيها، وقد أثرى المكتبة السنغالية بمؤلفات عديدة في مجلات متنوعة ومن أهمها:

  • الأصول الزنجية للحضارة المصرية، صدرت في 1955م وهو أشهر كتبه.
    الوحدة الثقافية لأفريقيا السوداء صدرت في 1959م. –
    أفريقيا السوداء قبل الاستعمار: دراسة مقارنة للأنظمة السياسية والاجتماعية في أوروبا وأفريقيا السوداء من العصور القديمة إلى تشكل الدول الحديثة، وقد صدرت في 1960.
    القرابة الجينية بين المصرية الفرعونية ولغات أفريقيا السوداء صدرت عام 1977م.-
    إنذار تحت المدارات الاستوائية وهي مجموعة مقالات نُشر بعد وفــــــــاته.
    وله كتبا أخرى وعدة مقالات في مجالات متنوعة ومتباينة، كما له عشرات من المحاضرات في الفلسفة والتاريخ والحضارة ومجلات علمية أخرى.
    وقد عمل باحثا في المعهد الأساسي لأفريقيا السوداء (إيفان) في جامعة دكار التي ستحمل اسمها فيما بعد، وقد أنشأ فيها مختبر كربون 14 الذي يعمل على تحديد النطاق الزمني للآثار التاريخية.

الجوائز وأوسمة الشرف:


لقد تحلى الشيخ أنت ديوب بعدَّةِ أوسمة الشرف في حياته وبعد وفاته، وأهمها ما يلي:


لقد تمِّ تتويجه في المهرجان العالمي للثقافة الزنجية الذي أقيم في دكار كأكبر كاتب في الفكر الزنجي وأكثرهم تأثيرا في القرن العشرين وكان حيّا وقتئذ.
وفي 1987م، بعد عام من وفاته تم تسميته بأبرز جامعات أفريقيا الغربية الموجودة في دكار، التي كانت تعرف بجامعة دكار.
وقد حصل على الجائزة الكبرى للجدارة العلمية من الجامعة الوطنية في الكونغو الديمقراطية.
كما تقلَّد على الدرع التذكاري لجمعية دراسة التراث الأفريقي بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على الجائزة الكبرى للذاكرة من المعهد الفرنسي بالكاميرون.

وفاته:
رحل العالِم شيخ أنت ديوب وحزن العالَم أجمع برحيله في السابع من فبراير 1986م في العاصمة السنغالية دكار عن عمر ناعز 63 عاما، وبوصية منه تمّ دفنه في قريته “تاييتُو”، وقد ترك للعالم إرثا فكريا وثقافيا عريقا على الباحثين إعادة النظر فيه ونقد ما توجَّب النقد منه كدعمه لنظرية التطّور.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici