قراءة للمشهد السياسي في السنغال، والخيارات المتاحة أمام عثمان سونكو زعيم المعارضة

0
274

كتب / جبريل عائشة لي (السماوي)

كلّ عقارب الساعة كانت تشير إلى أنّ الرئيس ماكي صال كان مٌصرّا وراغبا في تفعيل الولاية الثالثة. وقد مهّد لذلك منذ سنة (2019) حيث كان يراهن على فقهاء القانون في الدولة ليبحثوا له عن تفسيرات سائغة، تعطيه شرعيّة المشاركة دون التورط في النزاع الدستوري، كما جاء بتغييرات مكثفة على مستوى مؤسسة القضاء لأهداف بعيدة المدى. ومن كان يتابع ويقرأ المشهد السياسي للسنغال، يجد أن ثمّة ارهاصات وعلامات كثيرة تدلّ على أنّه حاول طرائق قدادا، لتحقيق حٌلم المشاركة بالولاية الثالثة. فالخيّاط القانوني له اسماعيل ماجور فال كان جاهزا لإخراجه من التحدّي الدستوري حول مسألة الولاية الثالثة بكلّ احترافية. ويبدو أن الرئيس صال انسحب عن فكرة الترشّح للولاية الثالثة لأسباب كثيرة، وتأقلما مع الواقع السياسي الذي اصطدم به. فالسياسية لا تنصاغ خلف حسابات الرجل السياسي فحسب ، وليست ما يريد تطبيقها من الأفكار والنظريات، وإنما هي واقع تفرضه الظروف والمعطيات على الزعيم السياسي، فالسياق الزمني يلعب دوره في مسارات السياسة، بل هو المدار الذي يتمحور حوله الأداء السياسي . والمعادلة هنا هي : أليس التّراجع عن تفعيل الولاية الثالثة رغم تواجد فٌرص دستورية للبقاء، هو الفاتورة الغالية التي لا يتوانى السيد صال عن دفعها مقابل اغراق سونكو معه، حيث يصيران على هامش النزاع السياسي في الدولة، مع العلم أنّ الرئيس صال لا يعرف التراجع عن القرارات السياسية مجانا جٌزافًا .

أحداث مارس (2021) وما سقطت فيها من الأرواح البريئة، والاضطربات الأخيرة في يونيو (2023) وما حلّفتها من الدمار والخراب، والخدش بهيبة الدولة، والضغوطات الخارجية التي تنهال عليه بين الفينة والأخرى، كل هذه الأسباب شاركت في قطع إيقاع موسيقى الولاية الثالثة. ورغم أنّ الانسحاب عن فكرة الترشح كان تحت ضغط شديد إلا أنّ إعلانه كشكل رمزي أمام الاعلام، يمثّل نجاحا ديمقراطيا باهرا، ووقفة تاريخية تستحقّ الاشادة. حيث أنّ السيد صال استطاع بذلك تلميع الصورة الديمقراطية على مستوى المنطقة، بعد سنوات من خربشة الوجه الصافي للديمقراطية السنغالية، إذْ أنّ هذا السّلوك السياسي يكاد يكون من المستحيلات السبعة عند النخبة السياسية الأفارقة

الاشكالية التي تفتح حذافيرها هي : هل مجرّد الاعلان عن الانسحاب من فكرة الولاية الثالثة فيه ضمان على أنّ السيد صال لا يترشّح اطلاقا في الانتخابات 2024 ؟ أو أنّ المشهد السياسي الذي سيفرضه السياق الزمني مستقبلا يٌخبّئ للقارئ السياسي مفاجئات، وعدة سيناريوهات سياسية ؟ على كلّ حال لا يوجد مصطلح الاستحالة في قاموس السياسية. مع العلم أن صال يملك نَفَسًا طويلا عند خوض المناورات السياسية مع خصومه. ويبدو أنّ السيد سال تعمّد على المماطلة والمراوغة في اعلان نيته حول الترشح للولاية الثالثة، فلو أعلنه منذ فجر القرار، ربّما يحدث الانقسام الداخلي على مستوى حزبه وائتلاف BBY . وهذا بحدّ ذاته يمثل حنكة سياسية وفطنة استراتيجية، والانضباط التكتيكي في إدارة المناورة السياسية.

ما مستقبل زعيم المعارضة عثمان سونكو ؟

إلى هذه اللحظة من عٌمْر المشهد السياسي للسنغال لا يوجد مستقبل واضح للسيد عثمان سونكو. فحتى فرنسا مازالت تحاول قراءة آراءه لأخيرة من خلال الاستطلاعات الاعلامية، مستوعبة خطابه، لمحاولة الامساك بخيوط مستقبله السياسي الغامض. وعلى ذلك إما يورّطونه للمزيد من النقمة السياسية، أو يحاولون اغتيال شيئا من قناعاته ومشروعه، كتمهيد للحوار السياسي معه، لمحاولة الوصول إلى مخارج قانونية له . وكل ذلك يفعله فرنسا لأجل الحفاظ على مصالح باريس على مستوى الاقتصاد أولا وعلى مستوى السياسية ثانيا. فالقاعدة الجماهيرية التي يتحصّن بها، ويٌعوّل عليها سونكو تضعه في نقطة القوّة إلى حدّ ما، كما أن معضلة التحدّي القانوني مع الدولة، النزاع القضائي الذي يضع سجله الجنائي على المحك، يمثل سلخ أجنحته السياسية مباشرة .

والآن أمام سونكو خياران هما

_ مواصلة تطبيق نظرية قضّ العظام ( Gatsa Gatsa) والرهان على قاعدته الجماهيرية، مع المغامرة الغامضة في هذا الطريق السياسي الذي يمثّل الهلاك أو البقاء السياسي، مع العلم أن الرهان على الشعب السنغالي الذي لم ينضج بعد على فهم أبجديات المقاومة، ورؤوس أقلام الثورة؛ رهان على ورقة هشّة .
_الحوار السياسي والمفاوضة مع النظام الحاكم الذي ورّطه في كمائن سياسية، لمحاولة الوصول إلى مخارج قانونية له. فالحوار السياسي يكون تبادل للأفكار بين الخصوم السياسيين، وذلك من أجل خلق فهم مشترك في ما بينهم حول المشكلات المطروحة والوصول إلى حلول وسط بشأنها أو تحقيق مصالحة سياسية شاملة. وفي عمليات الحوار الناجحة، تخرج عادة جميع الأطراف فائزة. ويتطلب الحوار الناجح توفر جو آمن في البداية، يسمح لكل الأطراف بمشاركة أفكارهم دون قيد أو شرط، بما في ذلك فرض الرقابة الذاتية، ولخلق هذه المساحة الآمنة لا بد من توفر قواعد إجرائية واضحة يلتزم بها الجميع، وقدر جيد من الثقة المتبادلة بين الأطراف، فضلا عن وجود أشخاص محايدين يقومون بدور الوسيط النزيه وإدارة الحوار..

شخصيا عندي انطباع على أنّ سونكو المثالي لن يحاور مع ماكي صال ، لكن سونكو السياسي الذي يبحث عن مخارج قانونية وأهداف استراتيجية يمكن أن يحاور لأجل الخروج من الخناق السياسي، والاستحالة لم تكن سمة من سيمات السياسية مطلقا، فحتى نلسون مانديلا جلس على طاولة المفاوضات للخروج من الخناق السياسي بعد سنوات من تغذية الثورة بالأرواح والدّماء، والنقمة داخل غياهب السّجن. والسياسية مزيج بين الحرب في الميدان، والجلوس على طاولة الحوار. فالحرب السياسية يفتح للزعيم السياسي باب واحد فقط، والحوار السياسي يٌمثّل الدخول من أبواب متفرقة، وكلّ باب معبر لكسب أهداف استراتيجية…

على الهامش

كلّ ثورة وبالعبارة الأدقّ كل نزاع سياسي مدني بين النظام القمعي والشعب، لا يناصر فيه الجيش وأجهزة الأمن الشعبَ أو يقف فيه العسكر محايدا بين الدولة والشعب، فهو عرضة للفشل والاجهاض . ولنجاح أية ثورة لا بدّ من مناصرة الجيش للشعب، أو يجلس على مقعد الحيادية، حيث لا يتدخل للقضاء على فتيلة الثورة. فقوة الشعب مهما بلغت من الصلابة فهي متواضعة جدا أمام أجهزة الأمن والجيش الذي يملك كل أدوات القمع والعتاد للضرب، والعقلية الجبارة. في الثورة الفرنسية( 1789) كانت الجيوس الفرنسية بعيدة عن الملك( لويس 13) في باريس. حيث كانت كتائب الجيش عند الجبهات في الشمال حيث الحدود مع ألمانيا، وبعض الكتائب كانت عند لحدود مع النمسا . وكذلك في الثورة البلشفية (1917) كان الجيش في الجبهة الألمانية كطرف مشارك في الحرب العالمية الأولى، فكان لا يوجد إلا حامية قلعة القديس بطرس ولم تنجح الثورة إلا بعدما حولت هذه الحامية ولاءها إلى الثّوار البلاشفة . وفي الثورات الربيع العربي كانت الجيوش مع الشعب في البداية إلى غاية نشوب الثورات المضادة، فوقفوا مع الجبابرة والطغاة ففشلت أغلب الثورات العربية. والثورة الايرانية 1979 على الشاه قام الشعب الإيراني بكلّيته وطغيانه وإجرام السافاك وغطرسته، وبالفعل قام الشعب عن بكرة أبيها وضحّى بالألوف من الأرواح لكن الحد الفاصل لنجاح الثورة هو أن اللقاء بين الجنرال الأمريكي هاوزر وقادة الجيش حيث طلب منهم عدم التدخّل لفرملة الثورة .

السيد عثمان سونكو الذي نظّر (Gatsa Gatsa) هل عنده قناعات الجيش حول المسألة السياسية في السنغال؟ وهل عنده ضمان على حيادية العسكر في حال وصل الصراع المدني إلى ما لا تحمد عقباه ؟ مع العلم أن السيد صال قام بتعديلات جذرية على مستوى المؤسسة العسكرية .

السماوي

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici