قراءة في كتاب “جذر الشر: كيف تقودنا الرأسمالية إلى الهاوية وكيف يمكننا هزيمتها”؟

0
870

كتب / الشيخ مود بدر جوب باحث سنغالي

عدد الصفحات: 109

الكاتب: Jean Ziegler

المترجم: منير الحجوجي

دار النشر: بصمة لصناعة الكتاب

افتتح المترجم بتعريف الكاتب بطرح سؤال “كيف يمكن أن يصبح جون ثوريا وهو من عائلة سويسرة ميسورة مستفيدة من النظام”، وكيف تحول إلى ماركسي وراديكالي رافض للنظام؟ ومن هنا لخّص المترجم بعضا من توجهات الكاتب فكريا وسياسيا واقتصاديا، وهو عدو لدود للرأسمالية، كما أنه ناشط إنساني عالمي. وتحدث المترجم كيف اكتسب الكاتب تلك القيم الإنسانية، وذلك بسرد قصة مع والده في سويسرا، مما انعكست على تربيته المالية.

وقبل أن يدخل المترجم في ترجمة الحوارات، قدّم للكتاب بلال الهنا بتلخيص معظم أفكار الكاتب بذكر سيرته الذاتية والمهنية؛ بأنه ديبلوماسي وموظف في منظمة الأمم المتحدة وكان مقررا لقضايا الجوع في العالم.

            والكتاب بمثابة حوارات أجراها جون مع جهات كثيرة، تُرجمت تلك الحوارات إلى اللغة العربية بكتاب تحت اسم “جذر الشر”.

الحوارات:

سادة العالم:

هنا يرى جُونْ أن العالم الاقتصادي مليء بالمفترسين، وهم تلك الورَثة من الطبقة المهيمنة التقليديّين البيض، الذين يديرون الاقتصاد منذ خمسمائة سنة (ص13)، وحوالي ٩٠ في المئة من ١٠٠٠٠ مليار دولار المتداول يوميا في العالم تمرّ عبر أيادي هذه الشركات متعددة الجنسيات، من مثل مايكروسوفت، اتحاد البنوك السويسرية، الشركة العامة، جنرال فورد، والآن ٢٠٠ من هذه الشركات تتحكم فيما يقارب ٢٨ مئوية من إنتاج الثروة العالمية، ويمارسون سلطتهم عبر مؤسسات عالمية مرتزقة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهم المنفذون لاتفاقيات “توافق واشنطن”؛ فهي اتفاقيات غير رسمية.

جون يرى أن المفروض من المؤسسات أن تخلق مجتمعا إنسانيا مجتمعا يحكمه العقل، وتكون فيه الأولوية للإنسان على الرأسمال، ولكن الحال تختلف عن تلك الرؤية، حيث إن هدف المفترسين الرئيسي هو رفع الأقصى من الربح كيفما اتفق. ويرى أن كل ما تتفوّه به الأيديولوجيات الليبرالية سرعان ما تتفجر أكاذيبها، وأن التجارة العالمية فعّلت آلية اختفاء الحواجز الجمركية لفتح الباب أمام زحف منتوجات البلدان الغنية على أسواق البلدان الجنوبية الفقيرة ذات المنتوجات غير التنافسية، مما يؤدي إلى انهيار اقتصاد تلك البلدان الضعيفة، ومما ساق إلى عدم اللامساواة، وبالتالي تنامى الفقر والجوع. فكل خمس ثوان يموت طفل دون سن العاشرة بسبب الجوع، وكل يوم يموت ١٠٠٠٠٠ شخص بسبب الجوع أو بسبب أحد تبعاته! لذلك يرى الكاتب جون أن أي شخص يموت بالجوع فهو شخص مقتول؛ لأن الأمر ليس قدرا. (ص ١٦)؛ لأن الكوكب يفيض اليوم بالخيرات. وبما أن “ورقة التصويت لا تشبع شخصا جائعا” قررت الأمم المتحدة صياغة حقوق جديدة للإنسان، وأولها الحق في التغذية.

وبخصوص المحافل المالية والتجارة الدولية فإنها تمثل أساسا مصالح البلدان الغنية، والأمم المتحدة عاجزة أمام الدول الغنية. فكلما تحاول منظمة الأمم والصحة العالمية ومنظمة الزراعة العالمية والتغذية تقديم بعض البنيات، خدمةً للتنمية في العالم الثالث يتدخل صندوق النقد الدولي لإحباطها بسحقها وفرض برامج التقويم الهيكلي والخوصصة!! وكما أن منظمة التجارة العالمية محبوسة في قبضة مطلقة للاتحاد الأوروبي وأمريكا واليابان، فهي تشتغل خارج أي شفافية. واتفاقاتها تضم ٢٦ ألف صفحة ما يطرح مشاكل تأويلية عظمى، كما أن تلك البلدان الكبيرة تعبئ جيشا من المحامين الذين لا يمكن للبلدان الضعيفة دفع تكاليف خدماتهم ما يجعلهم يتخلون من كل محاولة للدفاع عن أنفسهم، بينما البلدان الكبرى تستطيع شراء كل المحامين!

يرى جون بأن الحل في تعبئة “مجتمع مدني كوكبي جديد” من أجل تحرير العالم، ولا يكون ذلك إلا من خلال ما قاله ماركس” على الثوري أن يكون قادرا على أن يلتقط حثيث العشب وهو ينمو”.

الفيوداليون الجدد:

يرى جون بأن منظمة الأمم مهددة بالزوال بسبب فشلها في القضايا الكبرى مثل ترسيخ الأساسية الحضارية وهي الأمن الجماعي، العدالة الاجتماعية الكوكبية، وحقوق الإنسان، والحال أنها فشلت فيها؛ لأن تلك الركائز تتعرض يوميا لهجوم الليبرالية المتطرفة كالنظام الأمريكي، الذي لا يولي أي اهتمام للأمن الجماعي بالعراق مثلا.

جون يرى أن مقولة “إذا لم تؤد دول العالم الثالث ديونها في النظام البنكي العلمي سينهار نفاقا حقيقيا”، لأن الكُوسْمُوقراطية هم المستفيدون من تلك الأموال. ف٥٠٠ شركة عابرة للقارات فقط تتحكم على ٥٠ من الناتج العالمي الخام، وهم الفيودالية الجدد، وهم أقوى سلطة من أي حكومة أو منظمة في العالم!

ويرى أن الإنسانية تعرف ولأول مرة فترة رخاء ووفرة في الأساسيات للعيش، غير أنها تشهد، موازاة مع ذلك، تدميرا حثيثا ومتزايدا بشكل خطير للطبيعة، وأصبحنا نُتحمل هذا النظام القاتل بالمجاعات والأوبئة، ونحن البيضَ الأغنياءَ العارفين بالوضع، فقد لزمنا الصمت مثَلنا مثل أي جبان مشاركين في الجريمة!!

و جون يرى أن الطبقات الكومبرادورية -من يتم شراؤه في اللغة الاسبانية- في السلطة لدى البلدان النامية تابعة ذهنيًّا واقتصاديًّا للشركات متعددة الجنسيات، وللحكومة الخارجية، يفعلون ذلك لأن تلك السُلط تستفيد من خلال الرشوة، التي تأتيهم دون أن يهتموا بإرساء نظام تربوي أو صحي!

وهنا يرفض جون تقديم منتوجات معدَّلة جينيًّا للعالم الثالث، حلًّا للجوع فيها، فمن بين كل البلدان جنوب الصحراء فدولة زَامبِيَا فقط هي التي رفضت قبول برنامج التغذية العالمي الممول من طرف أمريكا.

وهو من الذين يرفضون فكرة المؤامرة بسبب أن تلك الشركات تتصادم ليل نهار، ولكن جون متحفظ لأن دولة أوروبية طالبت بالكشف عن علاقة منظمة الأدوية مع منظمة الصحة العالمية ولا شيء لحد الآن، بلا جدوى ولا ردّا، ويرى جون أننا نعيش تحت هيمنة الجشع الخالص!

أيتها الأمم المتحدة استفيقي قبل فوات الأوان:

يدعو هنا جون إلى حذف حق الفيتو في مجلس الأمن كلما صرنا أمام صراعات تفضي إلى جرائم إنسانية؛ في دارفور وسوريا وإسرائيل: فالفيتو الروسي منع المساعدات الإنسانية في سوريا. وغزة محاصرة بإسرائيل ومصر ولا تتدخل الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأمريكي، وفي دارفور لم تتدخل المنظمة مع الدكتاتور عمر البشير بسبب الفيتو الصيني، وكل واحد يدافع عن مصالحها! ولا شيء يمكن أن توقف ذلك إلا الحركات الاجتماعية بما أن الدول فشلت في تحقيق ذلك. ويقول جون بأن الأمم المتحدة على خطى عصبة الأمم، لقد اقتربت إلى الزوال إذا لم تتبادر إلى إصلاحات جذريّة. وهي منظمةٌ فاسدة تسيطر عليها البلدان العظمى. وقد هددت فرنسا باستعمال الفيتو في حرب العراق إلا أن أمريكا تجاوزت ذلك وضربت العراق! وإذا قدمت الأمم تعليمات تضربها أمريكا عرض الحائط!

نحن نعيش انزلاقات من المعيارية الدولية الهمجية:

جون صرّح هنا بأنه كان مستشارا لعدة رؤساء في إفريقيا من بينهم طوماس سانكرا لمحاربة المخلفات الاستعمارية والليبرالية الجديدة. وفي تلك البلدان الجنوبية فإن الرأسمالية ستدمر البشرية والكوكب إذا ما لم نتبادر إلى تدميرها أولا. وجون يرى أننا نعيش أزمة “أفول العقل”، كما يؤمن بأن الجوع صناعة بشرية يتعلق الأمر بما يمارسه الاتحاد الأوروبي بالإغراق الفلاحي؛ حيث إن الفلاحين في أوروبا ينتجون أكثر مما يحتاجون، وبالتالي يغرقون الأسواق الإفريقية بالفائض مما سبب خسارة لأولئك الفلاحين الإفريقيين، الذين لا يجدون من يشتري منهم بينما يعملون ليل نهار مع أبنائهم تحت حرّ الشمس. ويكفي إيقاف الإغراق الفلاحي لإنقاذ عدد هائل من الناس.

وبما أن البلدان مدينة بشكل تام، فإنها لا تتوفر على أي فِلس للاستثمار في الفلاحة. وعندما تصدِّر دولة مالي القطن أو عندما يصدِّر السنغال الفول السوداني فإن ما يربحونه من العملة الصعبة يخصص مباشرة لتأدية أقساط الديْن! وجون يرى أن مقولة “المصلحة العامة” هي مقولة لا مكان لها إطلاقا هنا.

وبالنسبة لجون فالوعي الإنساني هو وعي بالهوية. بمعني نحن الكائن الحي الوحيد فوق الأرض الذي له وعي بالهوية، فعندما يرى الكلب كلبا وهو يتعرض للضرب فلا شيء يحدث، ولكن إذا حصل نفس الشيء للإنسان فمهما كانت هويته الدينية والثقافية والعرقية، طفلا مثلا وهو يتعرض للقهر، فإن شيئا بداخله سينهار. وأنه يتعرف فورا علي نفسه في قلب الآخر. وقد شوهت الليبرالية الوعي بالهوية، وتريد اليوم أن تُوهمنا بأن الإنسان لم يعد فاعلا في تاريخه، فكما يقول بِيِير بُورْديو “النيوليبرالية ظلامية جديدة خطيرة بشكل خاص، لأنها تستعمل العقل، فهي كمرض الإيذر يدمر أوّلا القوى المناعية للضحية قبل أن يقتلها”، وبالتالي فالحل والفاعل الحاسم هو المجتمع المدني.

تحدث الكاتب جون عن وصية كُوفي عَنَان في شأن محاولة إصلاح هيئة مجلس الأمن الدولي وذلك بتجميد الفيتو في حال ظهور الجرائم ضد الإنسانية، فتحركت دول أوروبية، ولكن لا شيء لحد الآن. كما أنه لا يؤمن بمصداقية “محكمة العدل الدولية” ويعتبرها مزحة: “محكمة العدل! هذه مزحة، بل أسوأ من المزحة، إنها النفاق عينه. سأؤمن بالمحكمة في اليوم الذي سيتم فيه اقتياد أول جنرال أمريكي إلى لاهاي” (ص ٤١).

جيوبوليتيكا Geopolitique الجوع في العالم:

كتاب “التدمير الشامل”: فهو إصدار لجون يتحدث فيه عن العلاقة بين المواد الغذائية والدمار الشامل، لأن إبادة ملايين الناس عبر الجوع بالفعل فضيحة زمننا. يقول جون: “ف ٤٥ مليون شخص يموتون كل سنة بالجوع أو بسبب تبعاته. وفي الوقت الذي نتحدث فيه أنا وأنت الآن يموت طفل في كل ٥ ثان من ١٠سنوات بسبب الجوع، مع أن الزراعة وحدها يمكن أن تغذي وبشكل عادي ١٢ مليار من الكائنات البشرية، والحال أننا لسنا حاليا سوى ٦مليار، وبالتالي فأي طفل يموت بالجوع فهو مقتول” (ص ٤٤).

وجون يرى أن المشكلة ليست الجوع فقط، بل “إن كل مشكل الجوع ليس هو وجود الأكل في العالم، فالمشكلة هي وصول الناس بأنفسهم إلى الأكل، فالمشكلة أساسا هي افتقادهم للوسائل المالية للحصول على الأكل” (ص ٤٤). وجون يرى أن سبب الجوع وما في معناه هو “المضاربة البورصية” في المواد الغذائية الرئيسية، وهذه نتيجة الانهيار المالي سنة ٢٠٠٨ مما جعل المستثمرين يتجهون إلى المضاربة البورصية في المواد الأولية الأساسية (الذرة، الأرز، القمح) التي تغطي على ٧٥ مئوية من الاستهلاك العالمي.

والمشكلة الأساسية لإفقار بلدان العالم الثالث هو أنك “يمكنك في أي سوق إفريقي شراء فواكه، دجاج، خضر، فرنسية يونانية برتغالية أو ألمانية الخ بثلث أو بنصف ثمن المنتوج الإفريقي المحلي، وهذا هو الإغراق الفلاحي، حيث لا يتوفر الفلاح الإفريقي، الذي يزرع قطعته الأرضية، على أيِّ حظّ لكي يبيع فواكهه أو خضره بأثمان تنافسية” (ص ٤٧       ).

وفي الحقيقة ليست الفكرة على أن تلك المنتوجات نشتريها بثمن بخس، بل تكون هي أغلى من المنتوج المحلي، وبين أن يشجع سكان إفريقيا المنتوجات المحليّة، فإنهم يتطلعون الى تلك المنتوجات بحجة أنها فرنسية! وبالتالي فهم مستعمَرون فكريًّا وذهنيا، كما تَملَّكهم فكرةُ أن المنتوجات المستوردة هي الأفضل!

 وفي هذا الصدد يرى جون بأن الحل هو في “منع المضاربة البورصية على المنتوجات الغذائية، ووقف سرقة الأراضي الزراعية من طرف الشركات متعددة الجنسيات، ومنع إغراق الأسواق بالفائض، وإلغاء الديون الخارجية للبلدان الأكثر فقرا حتى يمكن الاستثمارُ في زراعتها المعيشية، ووضع حد للمحروقات الزراعية” (ص ٥٠). كما يرى بأن كل ذلك يمكن تحقيقه إذا ما تعبّأت الشعوب حول فكرة مشتركة. ومن أجل ذلك كتب جون كما يقول كتابه “التدمير الشامل” لينمِّي وعي الشعوب -على حد تعبيره-، كما قال أيضا إنه :”يريد أن يبقى فوق هذا الكوكب لأطول فترة ممكنة حتى يخدم أولئك المسحوقين في قلب اللامبالات التامة” (ص ٥٠).

أطفال يموتون بسبب قطاع طرق البورصة:

يتحدث جون هنا عن الطابع العبثي المجرم لسياسات الرأسمالية اتجاه الشعوب في العالم الثالث، والبورصة، والجوع، وأوباما وإسرائيل.

يقل جون إنه لم يتوقع قط أن قطّاع الطرق المالية -كما يسميهم- سيُسرعون في تخريب الاقتصاد العالمي بهذه السرعة، وهو هنا يتحدث عن الأزمة المالية سنة ٢٠٠٨. ويقول إن تلك الأزمة أدت لبغلاديش أن تلغي الأكل المدرسي، الذي كانت تقدِّمها للتلاميذ. كما يرى جون بأن قناع النيوليبرالي بالفعل سقط مع شرعيتها المزعومة، ولكن انتصر خبثُ واستعلاء البنوك بشكل تام. وهذا بالنسبة له فإن النظام العالمي للرأسمال المالي المعولم هو في الوقت ذاته نظام قاتل. (ص ٥٢)، والأزمُة أدت إضافة إلى تصرفات البنوك في “ارتفاع الوعي” كما يقول، ولابد من قطيعة جذرية مع هذا العالم الكانبالي على حد تعبيره.           

وهنا، في هذه النقطة يرى جون بأن إسرائيل هي المحدّدة الأساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مع اللوبي “الآيباك” L’AIPAC كقوة مؤثرةً جدا. والدولة الإسرائيلية -كما يقول- تقود باستمرار سياسة إرهاب الدولة. وما دام -كما يقول- هذا الإرهاب مستمرا فلن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط! (ص ٥٣).

وبالنسبة له يمكن للاتحاد الأوروبي أن يُنهي الأمر بموجب اتفاق تبادل حر بين إسرائيل والدول السبع والعشرين للاتحاد التي تمتصّ ٦٢ مئوية من الصادرات الإسرائيلية، وهذا الاتفاق تقول في المادة (٢) إن “احترام حقوق الإنسان من طرف الأطراف المتقاعدة هو الشرط للمصادقة على الاتفاق”، ولكن -كما يقول جون- العنف الممارس على الفلسطينيين فكل هذا يشكل خرقا مستمرا لحقوق الإنسان الأكثر بساطة، فلو قام الاتحاد الأوروبي بتعليق الاتفاق لمدة ١٥ يوما فقط فسيعود الجنرالات الإسرائيلية إلى الرشد. (ص ٥٣)، والحل عند جون هو في -كما يقول- الضغط على الحكومات الأوروبية باستعمال الحريات العامة المنصوصة على الدستور. فجون يفرِّق ما بين دعم أمن واستقرار إسرائيل وما بين التواطؤ مع إرهاب الدولة وسياسة الاحتلال، كما يعتبر هذا التصرف من الاتحاد الأوروبي عند حد تعبيره “فاشية خارجية”؛ وهو قبول الاتحاد أن يكون “ديموقراطيا في الداخل ويتحالف خارجيا مع الفاشية” (ص ٥٤).

وجون يرى أن وسائل الإعلام خاضعة تماما. فالصحفيون -كما يقول- وخاصة في فترات الأزمة يتملّكهم الخوف على مناصبهم بسبب العدوانية الرهيبة للوبي الإسرائيلي، ويقول بأنه شخصيا تعرض لعملية تشهير رهيب، يقول جون “إن إسرائيل تشكل خطرا على السلم العالمي، وأنها دولة رهيبة في خلق معاناة للآخرين” (ص ٥٥).

الغذاء: بيان من أحل افريقيا:        

يتحدث جون هنا عن الأرقام المهولة بخصوص سوء التغذية والجوع في إفريقيا، ويذكر جون على أحد حقوق الإنسان “من الحقوق الأساسية للإنسان أن كل شخص له الحق المطلق منذ ولادته في الحصول على غذاء منتظم وملائم يسمح له بحياة جماعية وفردية كريمة وخالية من التوتر” (ص ٥٦)، وبدوره ينتقد جون سياسة منظمة التجارة والتنمية الأوروبية L’OCDE ومقرها بروكسيل وقال: “إنه لا حدود لنفاق بروكسيل، وهو جهة تصنع الجوع في إفريقيا ومن ثم يقمع عسكريا لاجئي الجوع، الذين يريدون عبور الحدود الأوروبية”. (ص ٥٨)، “وبروكسيل لا تعبّر عن أي تضامن مع البشر الأكثر فقرا في العالم”.

فجون يعتبر أن المضاربات البورصية على المواد الغذائية الأولية هي سبب الفقر والجوع؛ لأنها تؤدي إلي ارتفاع قوي علي مستوي الأسعار، وهذا انتهاك صارخ علي حقوق الإنسان، حيث صنَّف المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يناير الأخير (٢٠١١) ارتفاعَ الأسعار الأولية -وتحديدا المواد الغذائية- ضمن الأخطار الخمسة الكىري في نفس مستوي امتلاك الإرهابيين أسلحة الدمار الشامل. (ص ٥٩)!

وهذا يعني ونحن سياق الجائحة “كورونا” أن ما قام به رئيس السنغال مَاكِ صَالِ نوعاً من ممارسة الإرهاب على الشعب باستخدام أسلحة الدمار الشامل، حيث رفع أسعار المنتوجات الغذائية الأولية من الزيت والأرز والخبز بدون أي زيادة في الأجور، بينما السنغال في منتصف مؤثرات الجائحة ومن أفقر البلدان وأكثرها ديْناً، مما ترك فيه جروحات لم تلتئم بعد! غير أن جون يرى إمكانية الحل، وذلك من خلال “توظيف الحريات العامة” -كما يقول- “ولا وجود للعجز في الديموقراطية”، غير أن الحال في السنغال تتعرض تلك الديمقراطيةُ للانتهاك في كل لحظة، وقد شُلّ المجتمعُ المدني تماما! ويقول جون يجب تغيير هذا “النظام الكانبالي العالمي” إذن، لأنه لا أحد آخر سيقوم بذلك نيابة عن المجتمعات، فكل شيء -على حد تعبير جون- يتوقف على يقظة الرأي العام.

وكما أن الحل عنده أيضا يتوقف على النخبة “بأن يُفهموا للناس ويستمروا في إفهامهم حتى يبدؤوا في التحرك ولو انهزموا هزيمة تلو أخرى” (ص ٦٢)، ويقول جون “فالاشتراكية هي الحركة الوحيدة التي لا تتقدم إلا عبر هزائمها، وأن الديمقراطية هي نظام البورجوازية عندما لا تمون خائفة، وأنها تتحول إلى فاشية عندما تكون خائفة” (ص ٦٥).

حول البترول الأخضر:

هنا يتحدث جون عن المحروقات الحيوية المصنوعة من المواد الغذائية ويعتبرها “جريمة ضد الإنسانية” ويقول: “في هذه الحالة التي يعاني فيها الناس بنقص من المواد الأولية، فحرق الغذاء البشري لتحويله إلى محروقات حيوية جريمة ضد الإنسانية” (ص ٦٢).

إيماووس EMMAÜS إنها وفض العجز:

يتحدث جون هنا عن حركة عالمية التي تفكر في البدائل مع من هم الأكثر تهميشا.

حول استراتيجية النضال:

بما أن الرأسمالية هي السبب في تلك التعاسات العالمية فإنها “يجب تدمير النظام العالمي حينما يكون بربريا” (ص ٧٢)، ويسميهم جون ب “دكتاتورية أوليغارشيا الرأسمال المالي”، ويعتبر جون رؤساء الدول الذين يقرِّرون “عملاء لسادة العالم” فهم قبضة بيد الشركات العابرة للقارات.

ومن هنا يستدل جون بمقولة كانط : “إن اللا إنسانية التي نعرّضها للآخر تدَمِّر الإنسانية التي بداخلي”، وبالتالي يجب أن يؤسس المجتمع المدني عقدا اجتماعيا كوكبيا حديدا. وهذه الفكرة هي التي جعلت جون يعتقد “انتفاضة الضمائر يوما ما” وسوف يتردد الجميع فكرة “لا أريد عالما مثل هذا” (ص ٧٦). وهذا ما يجعل جون يأمل على أن يشارك المجتمع المدني في توحيد العالم للنضال ضد العدو المشترك وهو الرأسمالي الفيودالي الجديد، كما يأمل على أن يتحول الذاكرة المجروحة إلى وعي سياسي.

كتابي هذا سلاح أقدمه للمسحوقين:

في كتابه “طرق الأمل” يتحدث جون عن النضال القادم الذي لابد وأننا -كما يقول- سنكسبه جميعا، ومن بينه إلغاء حق الفيتو في الصراعات؛ حيث تُمارس جريمة ضد الإنسانية. والمحورُ الأساسي في ذلك هو المجتمع المدني يحب عليه ممارسة الضغط على الحكومات، ولا بد في ذلك من تزويد المجتمع بمعلومات دقيقة. (ص ٧٩)، ولابد من ترسيخ سيادة الدول؛ “فالإمبريالية لا يمكن أن تطيق دولا ذات سيادة قوية”، ولكي ينجح النضال لابد من تضامن شامل بين الشعوب، وبين المثقفين الأوروبيين. والحال-كما يقول-: “أن الدول ذات السيادات تتعرض للتشويه في الصحافة الدولية وتحديدا الصحافة الفرنسية”!!! (ص ٨٢).

كورونا: الصدمة التي ستحرض على الثورة:

سئل جون “كيف يمكن لأزمة كورونا أن تعيد النظر في هذا النظام؟”

يرى جون أن النظام الرأسمالي للعالم يتعرض لزعزعة خطيرة وهو هش منذ بداية الجائحة، ولا بد من “التأميم/ التحكم” demondialiser في قطاع الصحة بأسرع وقت ممكن )ص ٨٤(.

ويتحدث جون عن الدولة الأكثر فقرا حسب تصنيف الأمم المتحدة وهي النيجير الدولة الثاني إنتاجا لليورانيوم في العالم، ولكن النيجير ليس لها ولو سِنْتِيمْ واحد لتجهّز نفسها بوسائل سقي أراضيها الفلاحية؛ لأن موْرِده الأول اليورانيوم تستغله وتصدِّره شركة أريفا AREVA الشركة الفرنسية التي قرصنت النيجير! (ص ٨٤).

ويقول جون إن الديون قاتلة: “فمجموع ما تربحه بلدان مثل مالي والسنغال عبر الاستغلاليات الفلاحية يذهب مباشرة إلى سد الديون؛ فالدين قاتل، بمعنى أنه يمنع الدول من الاستثمار في اقتصاداتها” (ص ٨٤)، وبالتالي فإن جون يرى أن “الرأسمالية نسق خلقه أناس وتهيمن عليه قلة من الناس، والنظام الاجتماعي الذي شيدته الرأسمالية هو في الوقت نفسه نظام قاتل”.

الوعي بالانتفاضة يغلي في مل مكان:

خلقت الرأسمالية مجتمعا وحشيا، ولكن جون يرى أيضا نمو جبهات مقاومة في كل مجالات الحياة. (ص ٩٠).

وهنا يتحدث جون عن دونالد ترامب وبوتين: ويرى في شخصية ترامب رجلا خطيرا لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يفعله؛ “فترامب رجل خطير على العالم لأنه يكره الديبلوماسية، ومع عقيدة “أمريكا أولا” يشكل ترامب بالنسبة لي -هو- امبرياليا بالمعنى الكلاسيكية للكلمة” (ص ٩٣).

وأما الحكومة الروسية فإنها بعيد جدا عن المثالية، ولابد -كما يقول جون- من رفع العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، كما أن تدخل الحلف الشمال الأطلسي في الصراع الأكراني ليس هو أيضا بالأمر الإيجابي بما أن سياسته الهادفة إلى محاصرة روسيا تشكل استفزازا دائما للبلد. (ص ٩٤).

جون هنا يرى بأنه يجب “حل حلف الشمال الأطلسي؛ لأنه لا يصلح لأي شيء وهو الآن أداة في يد الشركات الأمريكية الكبرى. فروسيا جزء في القارة الأوروبية، ويجب إذن وقف العقوبات والاستفزازات في حق البلد، كما يجب بالأحرى البحث عن انتقال نحو تعايش سلمي” (ص ٩٤).

من مصلحة الغرب إضعاف الجزائر:

يتحدث جون هنا عن قوة سيادة الجزائر ويقول “فالجزائر هي القوة الأولى على مستوي شمال إفريقيا، ويشكل إطلاق مخطط من ٢٤٠ مليار يورو لأربع سنوات مؤشرا على تلك القوة. فهي تقريبا البلد الأفريقي الوحيد الذي يتحكم على الاستثمار الخارجي مع قاعدة 49/51 كما هي مدبجة في قانونها، وهناك أيضا مراقبة صارمة لمسألة نقل الأرباح نحو الخارج” (ص ٩٧).

يقول جون “لقد عثرت الجزائر على طريقة من أجل التفاوض مع الشركات العابرة للقارات من أجل لجم سادة العالم، وبالتالي كما يقول جون فمفهوم السيادة الشاملة حاضر هناك. والشركات متعددة الجنسيات تريد أن تكون يدها مطلقة في البلد وهو أمر غير متوفر لها في الجزائر، وهي ليست جزءا من الفرنكوفونية” (ص ٩٨).

جون يقول: “ليست لدي الوسائل لإثبات أن الغرب يمول الجماعات الإرهابية، لكن يمكنني القول بأن بعض القوى الغربية لن تكون مستاءة من إضعاف الجزائر، فهي تشكل -من ضمن دول الجنوب- شوكةً في حلق الغرب، فهي بلد لا يمكن تركيعه. تخيلوا لو أن النيجير استعادت قبضتها على مناجم اليورانيوم من يد المجموعة النووية الفرنسية “أريفا” سيقود هذا إلى تفجير أثمان الكهرباء بفرنسا؛ لأنها حتى هذه اللحظة لا تؤدي فرنسا تقريبا أي شيء” (ص ٩٩).

الفرصة الأخيرة لإفريقيا:

يتحدث جون هنا عن إغراق الأوروبيين أسواق الأفارقة بالفائض الفلاحي، ويعتبر “نفاق الأوروبيين نفاقا شاملا؛ لأنهم يمارسون الإغراق الفلاحي في إفريقيا، وفي الوقت الذي يُلقي فيه بالفائض في سوق نيامي، داكار، ومناطق أخرى، نرى كيف يجاهد الفلاح الإفريقي دون أن يتمكن من أن يحصل على مدخول عادي!” (ص ١٠١)، وهنا يرى جون تجليات النفاق الغربي؛ حيث “ينددون بغياب الديمقراطية وبالاعتداءات على حقوق الإنسان في إفريقيا السوداء، في الوقت الذي يشكل غياب الديمقراطية نتاج الاستغلال الاقتصادي المفرط الممارس من قبل الغرب ذاته!!” (ص ١٠٢).

وفي تلك النقطة يتحدث جون عن إسرائيل من جديد بحيث إن “أمريكا تدعم إسرائيل لتتحكم في العالم العربي وإيران، وإن قامت العربية السعودية الممون الأول لأمريكا بتغيير استراتيجيتها فإسرائيل هي من ستتكلف بردها للصف” (ص ١٠٣)، فجون يرى بأن حرب أفغانستان حرب تحرّكها دوافع اقتصادية محضة، ثم استدل بقول لماركس: “تحمل الرأسمالية في ذاتها الحرب، مثلما يحمل السحاب في ذاته العاصفة” (ص ١٠٣).

شرح الرأسمالية لحفيدتي:

هنا ذكر جون بعضا مما أفادت فيها الرأسمالية، لكنها تبقى فاسدة مقارنة مع حجم الدمار الذي جاءت بها. “إن دكتاتورية أوليغارشيات الرأسمالي المالي المعولم، وكيفما كانت الإنجازات الاقتصادية الحالية التي خلقت الرفاه لأقلية محدودة، قلت إن هذه الدكتاتورية تدمر الكوكب والبشر، وبالتالي يجب تدميرها قبل أن تبيدنا” (ص ١٠٥). ويقول جون “إن انتفاضة الضمائر على الأبواب، متى وكيف ستحدث؟ لا أحد يعلم، كلما أعرف هو أنه يمكن لفكرة ما أن تصبح قة اجتماعية” (ص١٠٥)، وهنا يقتبس جون مقولة لتشي گيوارا “فالأسوار الأكثر صلابة تسقط بفعل التشققات”، والشقوق تتكاثر في كل مكان في أسوار القمع. وحركات اجتماعية كوكبية/محلية تناضل عدة جبهات ضد النظام الكانبالي للعالم”” (ص ١٠٦).

وفي نهاية الحوار يقول جون “إن المجتمع المدني الكوكبي الجديد هو الحل فمهنا حاولت الرأسمالية النيوليبرالية أن توهمنا، فاليد السرية للسوق ليست هي الذات التي تصنع التاريخ. والمجتمع المدني ذات تاريخية جديدة وهي تتقوى كل يوم. إنه أمل الشعوب”.

انتهى

القارئ الشيخ مود بدر جوب

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici