قراءة في كتاب “الفرانكوفونية: دراسة في المصطلح والمفهوم والتطور التأريخي”

0
511

القارئ: الباحث الشيخ مود بدر جوب

تأليف: وليد گاصد الزيدي

عدد الصفحات: 176

قدّم للكتاب المركزُ الذي نشره (المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية -في العراق)، وذكَر الأهداف في نشر مثل هذه الكتب، التي تدخل ضمن سلسلة دراسات استراتيجية حضارية، كما يهتم بالمصطلحات وبالمفاهيم، وبتوضيح كيف أنها تؤثّر على العلوم الإنسانية، وقال: “إن الكتاب الذي بين أيدينا تحليلٌ لماهية الفرانكوفونية ومفهومها الذين لا يزالان يثيران الجدل بين النخب الفكرية، ومعالجةٌ لتطوّر هذا المصطلح منذ القرن السابع إلى سبعينيات القرن الماضي” (التقديم).

المقدمة:

أولا تحدّث الكاتب عن إشكالية المصطلح ومفهومه، وأثارت إلى اضطرابات المصادر في تحديد حقيقته، مما أدّى إلى عدم الحيادية، وكان ذلك من الدوافع لظهور هذا الكتاب، محاولا سدَّ هذا الفراغ. ومن هنا ذكر الكاتب مجموعا من الكتب في نفس المجال والموضوع، لكن من زوايا متعددة، على خلاف مما في هذا الكتاب الحديد.

موضوعات الدراسة:

سرد الكاتب تفاصيل مضامين الكتاب فصلا فصلا؛ انطلاقا من تأسيس مؤسّسة الفرانكوفونية، ووكالاتها، وذكر الانتقادات عليها، و وتحدث عن سلبياتها على البلدان العربية على مستوى اللغة، والهوية الثقافية، والوطنية المحلية، والإسلامية، ثم وصل للخاتمة التي تضمنت نتائج الدراسة، إضافة إلى مقترحات وتوصيات.

منهج الدراسة ومسارها:

اعتمد على المنهج الوصفيّ-التحليليّ، ولكن ظهر طغيان المنهج التأريخيّ وإن لم يصرّح به تصريحا مباشرا عند خطاب العتبات.

مصادر الدراسة:

اعتمد على مراجع ومصادر تأريخية سياسية، استقاها من موسوعات وقواميس وكتب علمية حديثة من اللغة الفرنسية والعربية. وهنا أشار الكاتب إلى ندرة المصادر العربية، التي تتحدث عن الموضوع، وذكر بعضا من المكتبات التي استفاد منها في الدراسة، منها؛ الوكالة الجامعية للفرنكوفونية (AUF)، والمنظمة الدولية للفرنكوفونية.

وهنا يناقش الكاتب سبب رفض/ قبول فكرة الفرانكوفونية، التي قد يعود إلى أسباب فكرية أو استعمارية، الأمر الذي قد يلهي الشخص عن فكرة الحيادية رفضا أو ثناءً للفكرة.

الفصل الأول: تعريفات مصطلح الفرانكوفونية ومفهومها:

في هذا الفصل يناقش الكاتب عن التعريف اللغوي:

بأنها رابطة تضم الدول والشعوب التي تتحدث الفرنسية كلغة رسمية، أو حتى لغة عادية، وقد ظهر لأول مرة في القرن التاسع عشر.

واصطلاحا:

يعني اصطلاحا جميع الناطقين بالفرنسية دولا وشعوبا في أرجاء العالم، أو أنها جميع البلدان التي تشترك في استخدام اللغة الفرنسية، كليا أو جزئيا، أو أنها مجموعة تقوم على شعور الانتماء إلى جماعة تتقاسم لغة هي الفرنسية، مع ما تحمل من ثقافة وحضارة.

وفي هذا السياق تحدث الكاتب عن تأريخ المصطلح من أول الظهور سنة ١٨٧١، ومكوناته وبداية استعماله سنة ١٩٣٠، وبدأ يتنشر بعد استقلال بعض البلدان المستعمَرة من فرنسا في إفريقيا. وهنا يذكر تعريفا آخر له دلالات اجتماعية اقتصادية وسياسية وعسكرية (ص، ١٦).

تعريف المصطلح لدى الفرانكوفنيين الغربيّين:

هنا ذكر الكاتب أول من وضع مفهومه وهو الجغرافيّ الفرنسيّ (Onesim Reclus) سنة ١٨٨٠ وهنا وصف المصطلح “فكرة لسانية وعلاقة جغرافية”، بينما كاتب آخر (Gerard lemoin) اعتبر المفهوم “نهجا للإخاء الإنساني، كونها بُني على أسس السلام وعلى ميثاق الأمم المتحدة واليونسكو، فهي جميعا تشجع على التعلّم والعلم والثقافة” (١٧).

تعريف المصطلح لدى الفرانكوفنيين العرب:

الفرانكوفونيّون وهم “الذين يتقنون اللغة الفرنسية ويقرؤون الأدب الفرنسي ويستمعون إلى الموسيقى الفرنسية ويعرِفون تأريخَ فرنسا وأعلانها، ويترجمون إلى لغاتهم المحلية مؤلفاتٍ لأشهر الكتاب والمفكرين الفرنسيين”(ص ١٨).

وذكر تعريف محمد سيد أحمد واصفًا المفهومَ “بأنه مجموعة بلدان يعتبر سكانُها اللغةَ الفرنسية هي لغتهم العادية، وفي بعض الأحوال لغتهم الرسمية، والفرانكوفونية هي قبل كل شيء حقيقة لغوية، غير أنها أيضا حقيقة اجتماعية، وهي مفهوم سياسيّ وجغرافي حديث النشأة”(ص ١٩).

مفهوم الفرانكوفونية:

هنا يتحدث الكاتب عن الذين يرفضون فكرة الفرانكوفونية والناقدين لها، والذين يؤيّدون الفكرة؛ باعتبارها صيغة استعمارية جديدة عند الفئة الأولى، وإشعاعا ثقافيا وتواصلا حضاريا عند الفئة الثانية، وأنها عند الأخيرة جدارٌ لصد مد الهيمنة الأنكلوفونية! وهنا يرى الكاتب أن مؤتمر وزراء التربية والتعليم في الدول الناطقة بالعربية حيٌّز تنفيذيٌّ لفكرة الفرانكوفونية (ص ٢٠)، والكاتب يستدل بقول أحد الفرنسيين السياسيين على أن فكرة المصطلح “ليست هي اللغة الفرنسية وحسب، إذا لم نصل إلى قناعة بأن الانتماء إلى العالم الفرانكوفوني ينبغي أن يكون سياسيا واقتصاديا وثقافيا، يمثل إضافة، فإننا سنمون قد فشلنا في العمل الذي بدأناه منذ سنوات عدّة” (٢١).

وقد رآى الكاتب فكرة استعلائية في فكرة الفرانكوفونية من خلال قول كازافيي دينو “إن لغتنا تملك نوعا من التفوق على لغات العالم الأخرى، فإن ميزاتها وأنماطها في التحليل والتركيب تفسّر إذن الفكرَ الفرنسيَّ وإشعاع فرنسا الثقافيَّ” (ص ٢١). وهنا ذكر الكاتب فكرة نشر وحماية اللغة الفرنسية، التي يعتبرها الهدف الأول في تخصيص هيئات لتنفيذ الفكرة وهي: المفوضية العامة للّغة الفرنسية، ووزارة الدولة المكلَّفة بالفرنكوفونية، والدائرة العامة للعلاقات العلمية والثقافية والتقنية، واللجنة العليا للّغة الفرنسية، والأكاديمية الفرنسية (ص ٢٢).

المفهوم لدى الفرانكوفنيين العرب:

يحيل الكاتب على تعريف عبد الإله بلقزيز للمفهوم بأنه “المؤسسة التي لها عناية خاصة بمن يتكلم الفرنسية، سواء كلغة أم أو كلغة ثانية، والسعي إلى تعزيز هذه الخاصية والحفاظ عليها والمساهمة في إبراز إيجابياتها على الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية”، لكن يحيل كذلك على فكرة مضادة لمفهوم الفرانكوفونية وهي أنها عند بنسالم حميش “أكبر مختبر لمشروع مسخ الشخصية والقومية التاريخية لأبناء الجزائر، بقصد فرنستها وإلحاقها كمقاطعة بالمتروبول، باعتبار هذه الوطن الأم”(ص ٢٣)، في حين يعتبرها الصحفي المصري محمد حسنين “تيارا غريبا طارئا”، ليضيف بأنه “مشروع منظمة غريبة لا تعبّر بالنسبة للأمة عن هوية ولا عن أمن ولا عن مصلحة ولا عن أمل، بل قامت على إنشائه الدولةُ الفرنسية بسلطتها، وتوجهه الدولة الفرنسية بأدواتها، وتديره الدولة الفرنسية بأجهزتها”، كما أحال الكاتب على العلامة المهدي المنجرة الذي يؤمن بعدم إمكانية فصل مفهوم الفرانكوفونية “عن مصيرته التاريخية المرتبطة، وراثيا، بالفترة الاستعمارية وبمرحلة الانعتاق من الاحتلال، التي لم تنْتَه منه بعد، كما لا يمكن فصله أيضا عن التحوّلات الإيجابية، التي تحملها فترة التحرّر، وهذا على المدى المتوسط أو البعيد”، ويضيف الكاتب، نقلا عن فاتح عبد السلام “إن الفرانكوفونيين العرب ينتمون إلى عالم فقير اقتصاديا ويسعون إلى عون خارجيّ دائما لحل مشكلات تمس أوضاعا سياسية داخلية لديهم”، كما دعا غسان تويني اللبنانيّ إلى الدخول في الفرانكوفونية كافة “أن الأفضل للبنان وللعرب الدخولُ في عالم الفرانكوفونية، الذي كان ولا يزال الطريق الأفضلَ لفهم الحوار التأريخيّ والحضاريّ، من أجل تفعيل الحوار بيننا”.

خلاصة مفهوم الفرانكوفونية:

هذا استنتاج يناقشه الكاتب ويذكر أنه “نتاجُ المرحلة الاستعمار لفرنسا، وأن جذروها التاريخية تصل بالسياسة الاستعمارية لفرنسا، وانتشرت بعد الاستعمار تحت عطاء الترويج للّغة والثقافة الفرنسيَتَين في محاولة تسليط النفوذ الثقافي والفكري، في حين حملت أبعادا اقتصادية وسياسية تحت غطاء ثقافيٍّ في المرحلة المعاصرة”.

ومن هنا يفرق الكاتب بين نوعين من الفرانكوفونية؛ الداخلية والخارجية. فالداخلية هي الأنشطة والأعمال، التي تقوم على نشر واستخدام وإثراء اللغة الفرنسية، وتتكفل بها المفوضية العامة للغة الفرنسية، وهي خاصة بداخل فرانسا وتقوم على تحسيس الرأي العام، والخارجية هي التي تقوم بإشعاع الفرانكوفونية في العالم (ص ٢٩).

يقترح الكاتب تقسيما لفهم مفهوم الفرانكوفونية؛ أولا على كونها فكرة قديمة، والثاني باعتبارها منظمة دولية حديثة النشأة والتكوين؛ وكانت من بين المسوغات لتأسيسها تأسيس لغة واحدة وثقافة واحدة؛ هما اللغة والثقافة الفرنسيتين، وبالنسبة للكاتب فلم تقف الفرانكوفونية عند حدود توثيق الرابط الثقافية بين الدول المنضوية تحت مظلتها، بل أضيف إلى البعد الثقافيّ أبعادا سياسية واقتصادية، وتكرست تلك التوجهات بشكل أكبر تأثير”(ص ٣٠).

الفصل الثاني:  نشأة الفرانكوفونية وتطورها التاريخي:

المبحث الأول:

بداية ظهور الفكرة: كانت سنة ١٨٨٠ على يدّ الجغرافي الفرنسي أونسيم ريكلو، وظهرت رسميا في منتصف القرن العشرين مع خطباءَ أمثال جنرال شارل ديغول عام ١٩٤٤ ومع الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس السنغاليّ ليوبول سيدار سيغور في سياق إقامة مؤتمرات لمنظمات دولية مثل الاتحاد الإفريقيّ والمَلْغَاشِي، ويرى الكتاب أنها منظمة مؤثِّرة لما بعد الاستعمار الفرنسي مع الستينات القرن الماضي. وقد صاحَب ذلك وجودُ العملة (فرانك) وإن كانت ضعيفة، فأراد دِيغُولْ أن تكون اللغة الفرنسية قوّةً بديلة تدعم “عظمة الثقافة”، التي تحتويها هذه اللغة، وكانت فكرة “عظمة الدولة الفرنسية” حاضرة في رأس ديغول فحاول جعلَ اللغة والثقافة الفرنسيتين خدمة لتلك الفكرة، وتزامنت فكرةُ الفرانكوفونية مع حصول عدد كبير من البلدان الإفريقية استقلالها.

التطور المؤسسي للفرانكوفونية:

هنا يتحدث الكاتب عن المراحل التي مرّت بها والأنشطة التي قامت بها لترويج ولنشرها مع ذكر البلدان المنخرطة في سلكها تحت “قانون الاتحاد الفرنسي” للحفاظ على مستعمراتها، وقد ظهر أول تجمع فرانكوفوني في نيجر سنة ١٩٧٠ شاركت فيه ٢٢ بلدا لتكوين النواة تحت اسم “وكالة التعاون الثقافي والفني للتبادل الثقافي مع الحكومات” في يوم ٢٠ مارس الذي يعد يوما عالميا للفرانكوفونية تحت رعاية ثلاثة رؤساء إفريقيا الخبيب بورقيبة من تونس، وسينغور من السنغال، وحماني ديوري من النيجير سنة ١٩٧٠ يكون هذا التاريخ ميلاد الوكالة التي صارت سنة ٢٠٠٥”المنظمة الدولية للفرانكوفونية”(ص ٣٧).

وهنا ذكر الكاتب قائمة الهيئات والمنظمات والوكالات والاتحادات، التي تعمل على فكرة الفرانكوفونية (ص ٣٧)، كما قال: “إن معظم توجّهات تلك المنظمات كانت تستهدف البلدان جنوب الصحراء، حيث كرّست معظم أنشطتها فيها، ومعظم تلك البلدان كانت مستعمرات فرنسا…وقد قام الكاتب بسرد المنظمات بالتفصيل واحدة تلو الأخرى (٣٨-٤١).

ذكر الكاتب أن بُطْرُسْ بُطْرُسْ غَالِي هو أوّل “أَمين عام للمنظمة”، ثم يليه عبد ضيوف قبل أن يحل محله ميكائيل جان، هنا ذكر الكاتب الهيئات التي تعمل؛ كلُّ على مجال محدد؛ فمثلا تعمل “الوكالة الجامعية للفرانكوفونية” AUF، وقناة TV5, إضافة إلى المكاتب الفرانكوفونية، وأغلبها في إفريقيا الغربية.

يقول الكاتب إن المنظمة تستعين بالنخب والمؤسسات السياسية والفكرية من أجل تحقيق أهدافها وإنجاز مهامها “إن إشراك الجامعيّين وعمد المدن الكبرى ووسائل الإعلام، سيمكن المنظمة الدولية للفرانكوفونية من امتلاك شخصية منظمة دولية من نوع جديد”(ص٤١).

المبحث الثاني:

تتبع تأريخي لأبرز الأحداث في مسار الفراموفونية ١٩٦٠-٢٠١٩:

وهنا يسرد الكاتب مسار حياة المنظمة منذ سنة التأسيس ١٩٦٠ إلى سنة صدور الكتاب؛ حيث يذكر الخطوات السياسية والقانونية بمراسم جمهورية لتشكيل اللجان. يذكر الكاتب أن عدد المنظمات التي تعمل لصالح الفرانكوفونية وصلت إلى ٣١ منظمة غير حكومية دولية (ص ٤٨).

الفصل الثالث: المصطلحات الموازية للفرانكوفونية:

يذكر الكاتب أن المنظمة تحاول التطرق لأبواب كثيرة من خلال توقيع اتفاقيات مع هيئات أخرى من خلال شراكات، كما أنها تشترك مع تجمعات عرقية وقومية.

مصطلحات موازية من حيث اللغة:

الأرابوفون: [Arabophonie] وهي الدول الناطقة بالعربية، وهنا ذكر الكاتب المنظمات التي تشغل في فضاء هذه الفكرة مثل منظمة الجامعات العربية. وقد تحدث الكاتب في هذا السياق عن طبيعة التعليم في البيئات الفرانكوفونية حيث يكون التعليم “مزدوجة لغوية”.

الأنكلوفونية: [Anglophonie] هي البلدان الناطقة بالانجليزية، ومعظمها مستعمرات بريطانية، وهي تشبه الفرانكوفونية في الظهور بعد نهاية الاستعمار البريطاني، وكل هذه المنظمات تتعاون مع الفرانكوفونية، وإن كانت تتصارع في بعض الأحيان نتيجة تضارب المصالح، حيث إن الأنكلوفونية تتنافس مع فرانكوفونية.

الهيد-سبانوفونية: [hido-spanphonie] هي البلدان الناطقة بالاسبانية.

الليوزفورينية: هي البلدان الناطقة بالبورتغالي أسست سنة ١٩٩٦ عن طريق اجتماع سبع دول، وفيها السنغال أيضا حيث انضمت سنة ٢٠٠٨.

الكِرْيُولية: هي لغة لكنها في الغالب تشير إلى المولودين محليا من آباء أجانب عندما بدأ إنشاء المستعمرات كان غالبا ما يطلق على الأطفال المولودين لأبوين مهاجرين “كريول” وكان هذا المصطلح أكثر انتشارا في مستعمرات تشيسابيك. (ص ٦٦).

الفرانكوفولية:

تعني التصرف الإيجابي تجاه فرنسا واللغة الفرنسية، تقوم بمجموعة من النشاطات والفعاليات الفنية والموسيقية من أجل تعريف ونشر الأغنية والموسيقي الحديثة بشكل أساسي بالتعبير الفرنسي والفرانكوفوني. ومن هنا ذكر الكاتب الآليات الإجرائية، التي توظّفها منظمة الفرانكوفونية لتمرير أفكارها في المجتمعات.

المبحث الثالث:

مصطلحات موازية من حيث الجذور العرقية والتأريخية:

الفرانكوفونية العربية:

ينقل الكاتب إلى أن هذا الاسم اُتخذ بعد عدّة عقود، حيث وُلد في ظل الصحافة الملتزمة، التي تشتمل علامات الصداقة والتضامن الفرنسي العربي في مناخ مرتبط بالنزاعات العديدة في الماضي والحاضر، والتي ما زالت أثارها باقية، ومنذ ذلك الحين، وبمساعدة محطات ومراكز قوية، بدأت الفرانكوفونية العربية تأخذ بعدا عالميا، لازما للمستقبل المشترك بين الشعوب العربية والأوروبية، فضلا عن الشراكة الحقيقية بين سكان البحر المتوسط وجنوبه (ص ٦٨). وذكر تاريخَ هذا المصطلح وإلى استخدامه لأول مرة، ويحيل على التحفظات الحذِرة التي طالت المصطلح لدرجة أن قال عبد المجيد مزيان بأن “الفرانكوفونية ليست إلا تعبيرا عن يأس استعماريّ”، مما أدى ردّ فارنجيز قائلا: “إن الفرانكوفونية قد تمثّل أملا للمستقبل” وقد ذكر الكاتب الحركات الثقافية التي صاحبت ميلاد هذا المصطلح من صحافة ومجلة وجمعية، غير أن النشاط الأكثر ديناميكية في تلك السياقات هو إيصال فكرة الازدواجية اللغوية، سواء في البلدان العربية أو في أوروبا، وإن كان الكاتب أشار إلى التوترات الموجودة بين البلدان التي تتعايش مع فكرة الفرانكوفونية بسبب الإطار البيئي البربري، الذي يمّثل الأصل الذي لم يتم التعرّض به كما في الجزائر، على اعتبار أنها رفضت الانضمام إلى منظمة البلدان الفرانكوفونية، والجزائر تجعل فكرة الفرانكوفونية غير مكتملة في البلدان العربية بسبب رفضها التخلي عن اللغة العربية لصالح اللغة الفرنسية.

البربرية:

هذا مصطلح يطلق على أقوام في غرب وشمال إفريقيا وهم أمازيغ، لهم لغتهم الخاصة وهي أمازيغية وتعني “الإنسان الحر النبيل”، وأما البربر فهو اسم أَطلقه الرُومان على كل الأجانب ومن بينهم الأمازيغ.

يتحدث هنا الكاتب عن الإشكالات اللغوية التي بين الأمازيغ وغيرهم في شمال إفريقيا العربية، حيث اعترفت لهم فرنسا الأمازيغيةَ لغةً مستقلة، وربما هذا ما تسبّب في عدم انضواء الجزائر في المنظمة، بل اعتبروا الرواج بالأمازيغية من صنع فرنسا وسياستها الفرانكوفونية، التي سعت إلى فرنسة الشعب الجزائري وخاصة البربر منهم (ص ٧٥) “ليس علينا تعليم العربية لمجموعة استغنوا عنها دائما [يقصد البربر الأمازيغ]…إن مصلحتنا تفرض علينا أن نجعل البربر يتطورون خارج إطار الإسلام… كما ينبغي خلقُ مدارس فرانكو-بربرية لتعليم اللغة الفرنسية للبربر الشباب”(ص ٧٥).

يرى الكاتب أن المستعمر الفرنسي يسعى إلى تشويه الهوية الإسلامية للجزائريين من ذوي الأصول البربرية، إلا أنه لم يحقّق أهدافه، ويرى بأنه غرَس الاستعمارُ روحًا انفصاليًّا قوميًّا وثقافيًّا ولغويًّا بين صفوف البربر في المغرب العربي، ودعم صراعا مفتعلا بين اللهجات الأمازيغية واللغة العربية، وأحال الكاتب على السياسة الفرنسية التي فصلت بين المناطق الأمازيغية والمناطق العربية في اللغة والدِّين والقوانين (ص ٧٧)، وهذه السياسة تستوي فيها الشعب الجزائري والمغربي بحكم أن الأمازيغ منتشرة فيهما بشكل أكبر.

تحدث الكاتب عن اللغات الموجودة في البلدين وكيف تعايشتْ، وذكر أنواع تلك اللغات من العامية.

الفينيقية:

هي مجلة في لبنان وأغلبهم من المسيحية الذين طالبوا بإقليمية لبنان تحت ذريعة الأغلبية الطائفية والدعوة إلى الانفتاح الحداثي على الغرب، لأن مفهوميِ العروبةِ والإسلامِ ارتبكَا في عقولهم. كما تحدث الكاتب عن تاريخ لبنان اللغويِّ والفكريّ والتجاريّ، وكيف تراجعت بيروت في ريادتها بخصوص التجارة في الشرق الأوسط بسبب الحروب اللغوية والقومية وتضارب المصالح القومية الثقافية فيها بين اللبنانيين، كما تحدث عن التعددية اللغوية التي فيها، وأنها يجب استثمارها لخلق عالمية ثقافية وأمل للأجيال القادمة (ص ٧٩).

ولكي تخلق فرنسا مشاكل بين اللبنانيين دعمت اعتماد التاريخ الكنعاني الفِينيقِي، إضافة إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية الأمر الذي فشل ولم يرحّب به اللبنانيون. في حين يرى الكاتب، نقلا عن أسعد أبو خليل “أن فكرة الفِينيقية كانت نوعا من أنواع الرد علي فكرة العروبة في مرحلة كانت فيها الأخيرة دعوة ضد الاستعمار بشتى أنواعه، ولا سيما الفرنسي منه في سنوات العشرينات والثلاثينات… ولعل تلك التوجهات الداعية إلى الفينيقية على حساب العروبة أو كتابة العربية بالأحرف اللاتينية هو موقف أيديولوجي فكري يصب في إطار التعبئة” (ص ٨٠).

الفرعونية:

ذكر الكاتب هنا عن المساعي المصرية لرفض فكرة “وحدة العربية” منهم طه حسين، ويومي قنديل، وسلامة موسى، ويعتبر أحمد لطفي السيد الرائد الأبرز، إضافة إلى عميد اللغة العربية طه حسين الذي دعا إلى “فرعونية الجذور” قائلا:

“الحضارة المصرية والفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى، والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيا، ولا يُطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلا سيكون معنى ذلك: اهدمي يا مصر أبا الهول والأهرامات وانسي نفسك واتبعينا… لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع أن تعطي، فمصر لن تدخل وحدة عربية سواء كانت في القاهرة أو دمشق أو بغداد“(ص ٨٢).

وسرد الكاتب هنا أسماء المصريين الذين رفضوا حتى أي مشروع تعليميّ دينيّ كليا، والذين طالبوا بكتابة حروف العربية باللاتينية واعتبر هذا وثبة نحو المستقبل (ص ٨٢).

الفصل الرابع:

أهداف الفرانكوفونية وتوجهاتها:

يفرق الكاتب الأهداف التي من أجلها تأسست المنظمة في بدايتها وفي أيامها الحالية:

المبحث الأول:

أهداف الفرانكوفونية والأقنعة الاستعمارية:

أثّرت المتغيرات الجيوسياسية من سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة في السياسة العالمية على رسم أهداف المنظمة وتوجهاتها وما تواجهها من التحديات، التي تعد فكرة “الأمركة” من أهمِّها، ممّا هدّدت سيادتها إلى حساب اللغة الإنجليزية، التي نمت مع تصاعد الثورة المعلوماتية والاتصالية الحديثة (ص ٧٦)، وتحدث عن الأهداف التي تسعى فرنسا لتحقيقها من خلال الفرانكوفونية ومن خلال المؤسسات والوكالات وفي مقدمتها المنظمة الدولية للفرانكوفونية، الأهداف التي يعتبرها البعض خفية:

“إن فرنسا تحاول تأكيد دورها القيادي كدولة كبرى في العالم وإبراز دورها الطليعي على الصعيد الدولي…إذ تحاول من خلال الفرانكوفونية أن تخرج من لغة الاستعمار العسكري…وتسعى لتجميع عدد من الدول لخدمة أغراضها ومصالحها الذاتية” (ص ٨٦)، في حين يذكر الكاتب رأيًا آخر “أن الفرانكوفونية تهدف إلى الهيمنة الثقافية والاقتصادية على الجنوب…. إضافة إلى إنشاء قوات التدخل السريع في إفريقيا، وقوات التدخل الأوروبي، وتطبيق مبدأ السيادة المنقوصة على دول الجنوب”(ص ٨٧).

وهناك أهداف أخرى تتمثل في المجال السياسي والدبلوماسي من خلال الفرانكوفونية إلى تأسيس علاقات أكثر متانة مع الدول المنضوية إلى منظمتها من أجل الحصول على أكبر قدر من الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، ولا سيما في إطار الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن الدوليّ عضوا دائما” (ص ٨٨).

يقول الكاتب أيضا “أن الفرانكوفونية تحدِّي في وجه اللغة الانجليزية من خلال تبني الفرانكوفونية لمبدأ (التنوع الثقافي والتعدد اللغوي) الرامي لمواجهة العولمة الأمريكية، التي بدأت تُطال ليس فقط الدول والحكومات الفرانكوفونية فحسب، بل وفرنسا في عقر دارها”، يمكن القول إن الفرانكوفونية فكرة تحاول محاربة فكرة العولمة الأمريكية التي تفرضها بغية التخلص من هيمنة الثقافة الأمريكية واعتلائها مرتبة العالمية والأممية” (ص ٨٨)، ومن هنا ذكر الكاتب أن الأهداف الأولى للفرانكوفونية قد تمثلت بالتطلع نحن تحقيق أهداف لغوية جغرافية، وتأكيد أن اللغة الفرنسية تمثل كتلة عالمية كبيرة تستطيع أن تواجه المد الأنكلوفوني في العالم، وهذا مما جعل فرنسا تضيف إلى البعد الثقافي أبعادا أخرى سياسية ودبلوماسية والاقتصادي(ص ٨٩).

المبحث الثاني:

التوجهات المتعددة للفرانكوفونية في دعم السياسة الفرنسية:

تحدث الكاتب عن التحديات التي تواجهها بلدان المنظمة وفرنسا في مقدمتها بسبب التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث انعكست على سياسة الفرانكوفونية من أسلوب الهيمنة والتبعية الذي كان سائدا في عقود السبعينيات والثمانينيات إلى أسلوب الحوار والتعاون المشترك في إطار المنظمة (ص ٩١)، كما أن الكاتب بسبب تلك التحديات يفرق ما بين سياسة المنظمة في مرحلة ما بعد الاستعمار في الدول المستعمرة وهي توثيق الصلات الثقافية والتعاون الفني، من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية لفرنسا (ص ٩١)، وبين الأهداف الفرانكوفونية المعاصرة حيث يجري العمل على تحقيقها في إطار المنظمة الدولية الفرانكوفونية، كما تحدث الكاتب عن الأهداف التي تلت أول مؤتمر قمة لرؤساء الدول والحكومات الفرانكوفونية عام ١٩٨٦ الذي انعقد في فرسايْ وهي:

١– الفرانكوفونية أداة سياسية “تحمل الفرانكوفونية معنى سياسيا، واعتبر اللغة الفرنسية هي حاملة المثل العليا الفرنسية واللسان الأكثر قدرة على التعبير عن التضامن الإنساني من خلال التبادل الثقافي على عكس الكومنولث الذي يتسم بالنفعية المادية” (ص ٩٣)، ويقول الكاتب إن تحقيق أهداف الهيمنة وإعادة المجد لفرنسا -على لسان ديغول- كان الهدف الأسمى في سياسة فرنسا الخارجية وكانت الثقافة من أهم الآليات لتحقيق ذلك الهدف ومن خلال دبلوماسية تطمئن لها تلك الدول (ص ٩٤)، بالإضافة إلى ديغول أوضح في بيان مفهوم سياسته تجاه العالم الثالث وكانت سياسة موجّهة نحو مستعمرات فرنسا الإفريقية عامة، إذ تضمنت فضلا عن نشر اللغة العربية والثقافة الفرنسيتين، وتعزيز التعاون الاقتصادي والمعونة الفنية؛ اللتين حلتا محلّ الاستعمار الاستيطاني (ص ٩٤)، ويرى الكاتب أن الوسائل والأساليب قد تختلف لكن يبقى الهدف هو استعادة مجد فرنسا وإثبات دورها القيادي في العالم.

٢- الفرانكوفونية كأيديولوجيا:

بما أن الفرانكوفونية عند الكاتب منظمة دولية ومؤسسة متعددة الهيئات من أجل دعم اللغة الفرنسية وثقافتها عبر العالم، فهي “تعبير عن التزام أيديولوجي بمعايير ومفاهيم معينة، كما أن الفرانكوفونية لا تقتصر على عمل الدول الأعضاء ومؤتمراتهم، بل إن هناك عشرات لا بل مئات الجمعيات والتنظيمات المحلية في هذه الدول، التي تقوم على نحو أكثر بالتركيز في بثّ اللغة الفرنسية وإبراز ثقافاتها وإنتاجها” (ص ٩٦). يقول الكاتب: “لعل الطابع الإتمولوجي لكلمة (Francophonie) يحمل أبعدا أيديولوجية تتجاوز ما يروج له من طرف الفرانكوفونيين؛ من أنها تسعى إلى ترسيخ التبادل الثقافيّ واللغويّ بين الحضارات والشعوب، بعيدا عن أية خلفيات أخرى!!”(ص ٩٧)، وبالنسبة للكاتب فهناك طابع استعماري لمصطلح الفرانكوفونية، كما وضعه الجغرافي الفرنسي “أونسيم ريكلو” وروج له الزعيم الفرانكوفوني السنغالي سنغور، هو ما يعلن عنه صراحة الطابع الإتمولوجي لكلمة فرانكوفونية Francophonie؛ حيث نجد المعجم الفرنسي يتعامل مع الكلمة من منظورين:

الأول: حينما تحيل الكلمة على المتكلم للغة الفرنسية من دون شرط الانتماء إلى دولة تنتمي إلى الفضاء الفرانكوفوني، وفي هذه الحالة يكتب الحرف الأول من الكلمة بشكل مصغر miniscule.

الثاني: حينما تحيل على من ينتمي إلى بلد فرانكوفوني، وهو بالضرورة يتكلم الفرنسية من منظور المعجم الفرنسي، وينتمي كذلك إلى بلد عضو في المنظمة العالمية الفرانكوفونية، وفي هذه الحالة يكتب الحرف الأول من الكلمة بشكل مكبر majuscule.

غير أن الكاتب يرى بأن مناصري المنظمة ينفون طابع الاستعمار عن الفرانكوفونية، وأنها كما يقول عبد ضيوف: “عبارات الاستعمار الجديد وإفريقيا الفرنسية لا أعرفها، أنا دائما أعامل الجميع بالمساواة”، كما يستدل بقول آخر “إن الفرانكوفونية في لبنان هي أيديولوجية وليست لغة، وإن احتفال لبنان بها يراد منه التشويش على عروبة لبنان في الوقت الذي باتت فيه الإنكليزية متفوقة على الفرنسية، وأن دور لبنان مستحيل خارج محيطه العربي” (ص ١٠٠)، يخلص الكاتب إلى أن “هناك شبه إجماع علي اعتبار الفرانكوفونية أيديولوجية تتوخى تحقيق أهداف سياسية عبر بوابات متعددة، لعل في مقدمها البوابة الثقافية” (ص ١٠٠).

٣-الفرانكوفونية أداة ثقافية:

يقول الكاتب بعد سرد الأسباب السياسية والدبلوماسية إن الفرانكوفونية لها أسباب ودوافع ثقافية، لأنها تنادي إلى تبني وتفعيل الفرانكوفونية ودورها عالميا، متمثلا في الدعوة إلى التنوع الثقافي (ص ١٠١)، وذكر عدد سكان فضاء الفرانكوفونية من سنة ١٩٦٠- إلى التوقعات حتى سنة ٢٠٥٠، ويرى الكاتب “أن فرنسا سعت عن طريق الفرانكوفونية إلى تعزيز موقع اللغة الفرنسية وتدعيم مكانتها عالميا، مما يسمح لها بتوسع ثقافيّ، إذ إن التوسع الثقافي هو قبل كل شيء توسع لغويّ، وبالتالي، فإن معرفة اللغة وحدها يتيح للتأثير الثقافي أن يمارس كل فعالية، وأن يصل إلى روح أي بلد أجنبي وإلى تراثه الأدبي والفكري والروحي” (ص ١٠٣)، ويواصل الكاتب قائلا “ولعل هذا ما دفع بفرنسا لأن تجعل من ضمن أولويات سياستها الخارجية هدف انتشار الثقافة واللغة الفرنسيتين، لا سيما في دول العالم الثالث التي تعد ميدانا فسيحا لتصارع الأيدويولوجيات والأفكار” (ص ١٠٣).

٤- الفرانكوفونية أداة اقتصادية:

يستدل الكاتب بأقوال بطرس بطرس الأمين الأول للمنظمة ليبرهن على أن المنظمة لها “اليومَ بعدٌ سياسيٌّ قويّ إلى جانب البعد الاقتصاديّ والبعد الثقافيّ”(ص ١٠٤)، وخصصت فرنسا لدعم الاقتصاد الفرانكوفوني “المعهد القرانكوفوني”، الذي يقوم بدور التنمية المستدامة، وهو تابع لمنظمة الدول الأعضاء في جهودها الرامية إلى التحكم في الموارد الطبيعية والطاقوية لدول الجنوب”(ص ١٠٤)، وهذا وفق الكاتب ما مكن لفرنسا من أن تصب اهتماماتها نحو الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية، ولا سيما تلك التي تدخل في تنمية الصناعات الثقيلة والنووية الفرنسية، لأن كميةً كبيرة من الموارد ترقد في أرض إفريقيا، لدرجة أن حجم مصالح الفرنسية في القارة الإفريقية كان أكبر من حجم المصالح البريطانية في فترة التنافس الاستعماري بين الحربين العالميتين، ذلك أن (٣٢٪؜) من إجمالي الاستثمار الفرنسي الخاص في الخارج تركز في دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية (الفرانكوفونية)، فضلا عن أن الحاجة لحماية رأس المال الفرنسي كانت عاملا هاما في دفع فرنسا نحو ربط مستعمراتها السابقة معها بسلسلة من اتفاقيات التعاون (ص ١٠٥)، “يتبنى الشمال الاستعماري أساليب الهيمنة على الجنوب من خلال الروابط اللغوية والثقافية، إذ يرتبط عدد من الدول المنضوية إلى الرابطة الأخيرة بعلاقات ثقافية مع فرنسا، في حين أنها تعدّ سوقا اقتصاديا واستثمارية لفرنسا، فقد كانت الدول الإفريقية المنضوية إلى الفرانكوفونية تعتمد على الفرانك الإفريقي المرتبط بالفرانك الفرنسي في الأسواق المالية العالمية (ص ١٠٦).

الفصل الخامس: مؤسسو الفرانكوفونية وقممها والدول الأعضاء:

المبحث الأول:

مؤسسو الفرانكوفونية ومؤتمراتها:

أولا المؤسسون:

أونسيم ريكلو onésime Reclus:

هو أول من وضع المفهوم سنة ١٨٨٠ وقال إنها “فكرة لسانية وعلاقة جغرافية”.

ليوبولد سيدار سنغور léopold sedar seghor:

 هو أول رئيس لجمهورية السنغال ويعد أحد أبرز المدافعين عن الفرانكوفونية ومن مؤسسيها، ترك السلطة طواعيا ليتفرغ في خدمة المنظمة.

الحبيب بورقيبة habib bourguiba:

وهو تونسي وقد قاد النضال التونسي من أجل الاستقلال، وانتخب رئيسا، وهو من أبرز المؤسسين للفرانكوفونية وقادتها.

حماني ديوري hamani diori:

رئيس جمهورية النيجر سياسي دبلوماسي وهو من المؤسسين وصاحب الفكرة الأولى لإنشاء منظمة دولية للفرانكوفونية تضم الدول الناطقة بالفرنسية.

نورودم سيهانوك: norodom sihanouk:

سياسي كمبوديّ وملك كمبوديا ثم صار الحاكم الفعلي للبلد، كان من بين القادة المؤسسين الأوائل للفرانكوفونية.

القادة والمنظرون:

فرانسوا مورس ميتران françois metterain رحل دولة فرنسي وهو اشتراكي أصبح رئيسا للجمهورية الرابعة في فرنسا، وهو أول رئيس اشتراكي لفرنسا. ومن أبرز قادة المنظمة وداعميها ولا سيما عندما عقدت مؤتمرها الأول في باريس عام ١٩٨٦.

عبد ضيوف Abdou diouf:

وهو سنغالي وثاني رئيس جمهورية السنغال، وثاني رئيس المنظمة.

بطرس بطرس غالي Boutros boutros Ghali:

دبلوماسي مصري سابق والأمين العام السادس للأمم المتحدة، عيّن أول أمين عام لمنظمة الدولية للفرانكوفونية.

شارل جوسلان charles josselin :

هو وزير التعاون والفرانكوفونية الفرنسي الأسبق، وهو خبير اقتصادي وسياسي فرنسي وعضو في الحزب الاشتراكي، وكان من مهامه إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والدول الإفريقية.

غيان سلامة gassan salama:

سياسي لبناني وأستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون، ومكلف بتنظيم القمة العربية للسلام مع إسرائيل، وبتنظيم القمة الفرانكوفونية في لبنان، ومتحدثا رسميا للهيئة التنظيمية.

المبحث الثاني:

مؤتمرات القمة الفرانكوفونية والدول الأعضاء:

أولا مؤتمر القمة الفرانكوفونية:

هي بمثابة الهيئة العليا، يجتمع رؤساء الدول والحكومات كل سنتين لمناقشة القرارات المتعلقة بعمل المنظمة وإصدارها (ص ١٢٤)، وكان المؤتمر الأول عقد في باريس سنة ١٩٧٦، ثم توالت المؤتمرات والقمم إلى اليوم سنة ٢٠٢٠.

ثانيا: الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة الدولية للفرانكوفونية:

تضم المنظمة الدولية للفرانكوفونية اليوم أكثر من ثلث الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة بعدد ٨٨ عضوا يمثلون دولا وحكومات منهم ٢٧عضوا بصفة مراقب، وأربعة أعضاء مشاركين، يتوزّعون على القرات الخمس (ص ١١٦)، انضمت مصر سنة ١٩٧٠ وتستضيف أحد أهم الهيئات وهي المنظمة التعليمية والثقافية وهي “الجامعة الدولية الناطقة بالفرنسية لخدمة التنمية الإفريقية” المعروف باسم “جامعة سنغور” في الاسكندرية، وانضمت قطر سنة ٢٠١٢ بصفة دولة شريكة، وأثارت جدلا بكونها ليست دولة فرانكوفونية، كما أبدى بعض المشاركين خشيتهم من طموح هذا البلد في توسيع نفوذه في غرب إفريقيا عبر تمويل مدارس دينية!! (ص ١١٧)، تقدمت المملكة العربية السعودية لطلب العضوية، لكن رفضت بعدم اكتمال الملف، ثم أعادت التقديم من جديد سنة ٢٠١٦ كعضو مراقب، وقد أيدت دول فرانكوفونية كثيرة ذلك إذ يرون أنه سيمنحها المزيد من القوة ويعزز انتشار اللغة الفرنسية (ص ١١٧).

لدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية ومقرها باريس أربع ممثليات دائمة تقع في أديس أبابا، وفي بروكسيل، وفي نيويورك وجنيف، وهنا تحدث الكاتب عن المكاتب في جميع القرارات، وذكر في جدول الحكومات والأعضاء (ص ١١٨)، ودول المراقبين، ولا يعني أن كل الأعضاء بلدان فرنسية أو أن اللغة فرنسية فيها رسمية، فهناك ٢١ بلدا فاللغة الأولى فيها هي لغات غير الفرنسية.

الفصل السادس: في تقييم الفرانكوفونية والانتقادات الموجّهة إليها:

المبحث الأول: تقييم الفرانكوفونية منذ بداية نشأتها:

يرى الكاتب أن سياسة المنظمة هي الفرنسة وطمس اللغة العربية وتغليب الفرنسية عليها، فضلا عن انتهاج سياسة تعليمية تحجري النهج التعليمي في فرنسا، كذلك إعمال الثقافة الفرنسية وأفكارها، أن أصبحت الهوية الثقافية العربية معرضة إلى المسخ والاستلاب والتهميش، وعموما تعدُّ الهوية بالنسبة لأي شعب (وجوده وماهيته)” يمكن تحديد الهوية، أية هوية ثقافية إثنية عرقية أخلاقية الخ بأنها ذات الشيء أو ذات المجتمع أو الإنسان” (ص ١٢١)، والكاتب يعد المستوى الثقافي الأكثر حضورا تجليات الهوية، وثقافةُ أمة ما هي هنا العقائد، المنظومات الفكرية، والأخلاقية، والسياسية، والتربوية، التي تشكلت في التاريخ والمجتمع والتراث (١٢١).

ويقول الكاتب: “إن جذور الفرانكوفونية تعود إلى ما قام به الاستعمار الفرنسي من بث روح الانفصالية القومي والثقافي واللغوي بين صفوف البربر في المغرب العربي، وهي محاولات لمسخ الهوية الثقافية العربية، فهي تدعم الصراعات المفتعلة بين اللهجات وخاصة عند الأمازيغية والعربية” (ص ١٢٢)، كما سرد مقولة طه حسين عن “الاستغراب”؛ حيث قال وهو خريج فرنسا “مصر هي دائما جزء من أوروبا في كل ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية، وعلى اختلاف فروعها وألوانها، وينبغي أن يظل هذا الاتصال قويا وأن يزداد قوة يوما بعد يوم حتى يصبح المصريون جزءا من أوروبا فيما يتصل بالحياة العقلية والثقافية” (ص ١٢٣)، ويضيف الكاتب إضافة إلى دعوات التغريب أخرى مثل سلامة موسي حيث قال: “هم (يقصد فرنسا)ليسوا أجانب عنا إلا في اللغة؛ لأننا آريّون مثلهم”، وهنا يرى الكاتب بذلك نفيَ عروبةِ المصريّين، متجاهلا حقيقة كوْنهم من أصول عربية !!! (ص ١٢٣). [أصلا، أنا شخصيّا ظللتُ دائما ما علاقة مصر بالعروبة؟ لأنهم ليسوا عربا لا أصالة ولا تبعا. فحالهم مثل حال السنغال وصل إليهم الإسلام فآمنوا، غير أن السنغال آمن بدون فتح على خلاف مصر]!!

يتحدث الكاتب عن أحوال بعض البلدان العربية، التي أصبحت ضحية فكرة الفرانكوفونية على مستوى مسخ الهوية فيها مثل الجزائر ولبنان، ففرنسا تحاول إبقاء تبعية تلك البلدان بها.

يخلّص الكاتب من عملية التقييم ليقول: إن الفرانكوفونية تعتمد على مصادر تعبئة لجمع البيانات بشأن مراقبة واقع ومستقبل اللغة الفرنسية في العالم (ص١٢٤)، ومن خلال تلك المعطيات يقول الكاتب إن الفرانكوفونية تخطط للمستقبل، سعيًا منها إلى توسيع رقعة المنظمة، وتنفق من أجل ذلك أموالا طائلة، مع أن اقتصادها يمر بأزمات متعددة منذ عدة عقود ( ص١٢٥)، كما يشير الكاتب إلى فكرة أن “المصالح فوق كل شيء”، ولكن إذا كانت المصلحة متبادلة ومتوازنة من الطرفين فهي تغدو مساواة. وهذا ما تطالب بها بعض المعارضين القوميين السنغاليين/ بأن يكون الربح نصفا نصفا.

المبحث الثاني: أوجه اللانتقادات الموجهة إلى الفرانكوفونية:

هنا ذكر الكاتب الانتقادات، التي دارت في شأن المنظمة، وقد اعتبرها البعض نوعا ضمن المشاريع الثقافية الفرنسية الخطيرة، التي تخدم المشروع الغربي الأوروبي وتسعى لطمس الثقافة واللغة العربية الإسلامية على حساب تمجيد وترقية الثقافة واللغة الفرنسية، باعتبارها لغة الحضارة والتقدم (ص ١٢٦)، كما تحدث عن البلدان التي تخلصت من الاستعمار الاستيطاني، ولكنها بقيت حبيسة التبعية اللغوية والثقافية بشكل خاص، فضلا عن الاعتماد على فرنسا في الجوانب الاقتصادية والتقنية، وتلك التبعية تتحلى في تأثيرات اللغة:

تأثيراتها في اللغة العربية:

يرى الكاتب أن اللغة تحتل حيّزا مركزيّا في الصراع الثقافيّ والحضاريّ في عهد الاحتلال الفرنسي إبان فتر الاستعمار، إذ حاول الاستعمار منذ أن دخل تلك الأراضي العمل على فرنسة المجتمع، ومحاولة تشر اللغة الفرنسية وثقافتها (ص ١٢٧)، وذكر هنا الكاتب منع الاستعمار الفرنسي تدريس اللغة العربية في المدارس، التي تخضع لإشرافه، وأصدر قرارا يعدها لغة أجنبية في الجزائر، ويرى الكاتب أن استهداف الاستعمار الفرنسي للغة العربية، كان غرضه الرئيس استبعاد الثقافة الأصلية للشعب الجزائري، وإحلال اللغة الفرنسية بدلا من اللغة العربية، بهدف تحقيق الإلحاق الثقافيّ والحضاريّ … وليس الجزائر فقط بل كل البلدان المستعمرة من فرنسا (ص ١٢٨)، ويحيل الكاتب على دي روفيكو حيث قال: “إني أنظر إلى نشر تعليمنا ولغتنا كأنجح وسيلة لجعل سيطرتنا في هذا القطر تتقدم في إحلال اللغة الفرنسية تدريجيا محل اللغة العربية. فالفرنسية تستطيع الانتشار بين السكان خصوصا، إذا أقبل الحيل الجديد على مدارسنا أفواجا أفواجا” (ص١٢٨)، والكاتب يحكي نقلا عن خالد الصمدي أن هناك ضغطا من الخارج وتخوف من نخبة معينة (يقصد الفرانكوفونية)، لها مفاهيمها ووظائفها، وحياتها كلها مبنية على اللغة الأجنبية. فالاستعمار كان واضحا، ذهب الاستعمار وخلّف أفرادا معينين قائمين بالعمل المرسوم لهم (ص ١٢٨)، يرى الكاتب أن هدف سياسة فرنسا من خلال المنظمة الأساسي هو القضاء على اللغة العربية، وقد تمكّنت من ذلك بسبب فكرة ازدواجية اللغة في المغرب العربي.

تأثيراتها في التعليم:

يرى الكاتب أن الفرانكوفونية استخدمت التعليم والتربية في مستعمراتها السابقة لاستعادة تلك البلدان، كما حافظت وجود اللغة الفرنسية في داخل مؤسسات تل البلدان التعليمية؛ لأن ما يهم فرنسا أكثر هو تشكيل النخب السياسية والثقافية على مقاسها ثقافيا ولغويا، وذلك من منظور استراتيجي بعيد المدى على اعتبارهم امتدادا لصالح فرنسا في مستعمراتها (ص١٣١)، ونقلا عن كاتيا حداد فإن “تعلم الفرنسية في المدرسة قد يكون بمثابة استثمار على المدى البعيد، كما كشف كيف “تخترق الفرنسية مؤسسات التعليم؛ باعتبارها لغة العلم والمعرفة الحديثة، في زمن لجوء المؤسسات الفرنسية الأكاديمية الفرنسية نفسها إلى اللغة الإنجليزية””(ص ١٣٢).

تأثيرها في النخب الفرانكوفونية:

يتحدث الكاتب عن النخب الثقافية الفرانكوفونية، وأغلبهم ممن درسوا في جامعات فرنسا، استعانت بهم فرنسا ليشغلوا مناصب رفيعة، وبالتالي خدموا لها في المقابل (ص ١٣٤)، والكاتب يرى بأنه يمكن القول إن فرنسا تمكّنت من فر نفسها وحضورها القوي في العالم وخاصة البلدان العربية، وازداد ارتفاع العنصر اللوبي الفرانكوفونية الذي يتشكل من نخب ثقافية وسياسية واقتصادية، ولا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها الخاصة في علاقاتها بالمستعمرات السابقة (ص ١٣٥)، وتحدث الكاتب كيف أن الهوية الجزائرية تعرضت للتهديد والمسخ والتشويه بل الإلغاء، وتحدث عن الصراع الوجودي في الجزائر بين التيار الفرانكوفونيّ وبين المعسكر الوطني الذين يرون أن البلد يجب أن يتقدم على أسس ومقومات وطنية، يل يرى البعض “أن ما يجري في خلد طبقة معينة، بسبب تكاسلهم وارتباطهم، أن تستمر في تقليد مستعمريها إلى أجل غير محدود” (ص ١٣٦)، كما تحدث عن آثار الاحتلال التعليمي فيما بعد الاستقلال في الجزائر ، تماما كما في السنغال مثلا وفي كل المستعمرات. وقد كشف الكاتب أن تلك النخبة الفرانكفونية تم أعدادهم خلال سنوات الحكم الاستعماري الفرنسي الطويل، وهي المدارس الفرنسية إبان الاحتلال.

تأثيراتها في الهوية الوطنية الإسلامية:

أخذ الكاتب مثالين من البلدان العربية هما الجزائر ولبنان؛ حيث اختلفت ظروف تشكل الثقافة الوطنية في بعض الدول العربية، كما طبقت فرنسا مع الجزائر أساليب وطرقا مختلفة، كان الهدف منها الحيلولة مستقبلا دون استرجاع الجزائر  لكيانها السياسي وبنائها الاجتماعي وخصوصيتها الحضارية (ص ١٤٠)، “لقد استخدمت اللغة الفرنسية من لدن الفرانسيين وبدعم من النخب الفرانكوفونية كوسيلة للغزو الفكري الذي استهدف الفرد العربي كمثال للإنسان المستعمَر ، لكي يصبح مستلبا فكريا، عن طريق محو الشخصية العربية الإسلامية” (ص ١٤٠)، وينقل قوما انتقاديا من عثمان سعدي “فبسبب سيطرة اللغة الفرنسية في حياة مجتمعنا، وبسبب الانفتاح الناتج عن هذه السيطرة نشأت طبقة جديدة خلال الثلاثين سنة الماضية، وتعد أخطر ما يهدد تنميتنا الاقتصادية والاجتماعية”(ص ١٤١)، كما تقل قول عبد الإله بلقزيز: “أن معركة التحرّر الوطنيّ لم ينتَه بعد، نعم، أنجزنا في المغرب العربي حلقة رئيسية من حلقات هذا التحرّر الوطنيّ، وهي فرض الجلاء العسكريّ عن أراضينا وأوطاننا، ولكن، من منا يمكنه أن يدّعي أننا أنجزنا حلقة التحرر من علاقات التبعية الاقتصادية؟ ومن منا يستطيع أن يقول باطمئنان إننا أنجزنا التحرر الثقافي واللسانيّ من علاقات الاستتباع والإذناب للمركز؟ معركة التحرّر الوطنيّ مازالت مفتوحة على جبهات عدة، منها جبهة الاقتصاد والتجارة والمال، وجبهة الثقافة واللغة والقيم الرمزية، وهي معركة طويلة وقد تمتد عقودا أخرى قادمة” (ص١٤٤).

تأثيراتها في الهوية الوطنية والقومية في لبنان:

١- الخلفية التأريخية لترسيخ الفرانكوفونية في لبنان:

بيّن الكاتب كيف أن فرنسا ساهمت في تعميق الهوة بين اللبنانيين، محاولة سلخ البلد عن هويته العربية والموروث العربي، واستخدم ذلك ثقافيّا ولغة وفكرا، ممّا أدّى باللبنانيين إلى انقسامات اجتماعية، وغذت فرنسا روحَ الطائفية بين المسيحيين والمسلمين تطبيقا بفكرة “فرّق تسد”، وتحدث الكاتب عن الانقسامات، التي طالت سوريا، وكيف عينت فرنسا مندوبين خادمين لصالحها. عند الكاتب، عملت الفرانكوفونية اللبنانية في بداياتها مفهوما متوافقا مع الفرانكوفونية التي تحولت إلى أداة للشقاق والفتنة بين أبناء الوطن الواحد في زمن الانتداب، وتحديدا بعد إعلان لبنان الكبير، إذ ظهرت التقسيمات الأيديولوجية، كما برزت على السطح النعرات والتوجهات الطائفية، إضافة إلى أن المدارس الكاثوليكية  الخاصة استمرت بإدخال فكرة أن لبنان ينتمي إلى الحضارة الفينيقية في أذهان التلاميذ، وبالمقابل كانت المدارس الإسلامية توجه تلاميذها على أن لبنان هو عربيّ (ص ١٤٧)،  وتحدث الكاتب عن التعددية اللبنانية في الهوية، ويعتبر الخطر في محاولة العودة  إلى الجذر الإغريقيّ للثقافة الفرنسية، وينغلق على محيطه العربي الكنعاني الطبيعي.

وينقل قول فاتح عبد السلام أن العرب “صاروا أكثر الأمم قبولا للترويض وغالبا ما يحدث ذلك من دون ضغط حقيقي عليهم، وإن حدث مقاومة لا نحد إمكانات بسيطة لمقاومته لعله يرتد إلى حيث أتى” (ص ١٤٩)، ويرى الكاتب أن الفرانكوفونية استمرت في طمس الهوية اللبنانية العربية.

الخلافات حول تقييم الفرانكوفونية المعاصرة في لبنان:

يشرح الكاتب أن الثقافة واللغة والآداب الفرنسية في لبنان قد مرّت بأزمنة حرجة مع الحرب الأهلية اللبنانية “إن بلدنا هو في قلب كل النزاعات، وكل التوترات، ونحن نهتم بعالم الجنوب، فيما نجد أن نواة الفرنسة في لبنان آخذة بالتناقص مع الصراعات المستمرة في المنطقة، وهي تمر بخطر الاختفاء إلى الأبد”(ص١٥٠)، ومع ذلك يرى الكاتب أن لبنان بقيت على الرغم من الحرب الأهلية من بين أفضل البلدان العربية الفرانكوفونية من حيث الإعداد والتجهيز في مجال المصطلحاتية والمعجمية (ص ١٥٠)، وعلى النقيض، فثمة أصوات معارضة لسياسة فرنسا في لبنان، كما سبقت الإشارة له، تكاد لا تؤثر في شبه الإجماع اللبناني المتفق على أهمية أن تعمل لبنان في إطار تعاون وشراكة مع فرنسا (ص ١٥١). وقد أنهى الكاتب هذا المبحث بطرح أسئلة مصيرية بخصوص الهوية اللبنانية قبل أن يصل إلى خلاصة الكتاب.

الخلاصة:

لخّص الكاتب أهداف الدراسة التي هي كشف وتوضيح ماهية مصطلح الفرانكوفونية، ومفهومها ومتابعة تطوراتها في مرحلة ما بعد الاستعمار، وبين كيف عملت المنظمة الدولية للفرانكوفونية على توضيح مفهوم المصطلح خارج فرنسا مع عدم تقبل العديد من شعوب العالم هذا المصطلح؛ لأنهم وجدوه غير بريء وهي سمة استعمارية جديدة، ولا سيما في سعيها لتعزيز الولاء للغة الفرنسية لما بعد الاستعمار، كما توصّل الكاتب في النهاية إلى أن الفرانكوفونية هي “مجمل نشاطات الترويج للغة الفرنسية، فضلا عما تحمله هذه اللغة من قيم. وبالمعنى المؤسسيّ؛ فهي صفة على المنظمة الدولية للفرانكوفونية.

لقد لخص الكاتب النتائج في:

  1. أن معظم الشعوب الفرانكوفونية يعتبرون المنظمة ذات طابع سياسيّ استعماريّ فرنسيّ.
  2. تنامت الجماعات الإسلامية ومعها الصحوة فقاموا على التصدي لكل تيار تغريبيّ فرانكوفونيّ مهما كان شكله.
  3. فالمصطلح هو نتاج المرحلة الاستعمارية لفرنسا بحلّة جديدة.

رموز المصطلحات:

سرد الكاتب هنا تفاصيل التلخيصات داخل الكتاب بالتفصيل، ثم جاء بلائحة المصادر والمراجع.

انتهى

الباحث الشيخ مود بدر جوب

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici