قراءة على الكتاب “الإسلام السنغالي : من أين انحدرت الطرق الصوفية ؟ للدكتور باكري سمب.

0
419

كتب / مامور درامي باحث ومترجم في معهد تمبكتو للأبحاث.

Islam Au Sénégal : d’où viennent les confréries ?

مع حلول سنة ميلادية جديدة، جادت لنا بهذه النفحة المسكية قريحة الكاتب القدير والأستاذ المتمكن، رجل القضايا الإفريقية الساحلية، الأستاذ بكري صمب الذي أحاط بالسياسة الدولية خُبرا، وبلا طويلا القضايا التطرفية في القارة السمراء. صدر الكتاب بلغة فرنسية، على أسلوب سلس مرن، يقرأه القارئ ولا يقاسي عناءً في درك معانيه، لأن قلم الكاتب يمتطي بك منهجية مطابقة لدورات الزمن. ولأنه، من ناحية أخرى، يخاطب عامة القراء، خاصة غير السنغاليين منهم، الذين ربما بلغتهم قصة العشق بين السنغال وبين التصوف دون أن يكون لهم في ذلك أدنى علم. ولعل هذا هو ما يفسر الرواج الذي يناله الكتاب حاليا في البلد الذي طُبع فيه، دولة تونس.
الكتاب مشكاة تسلط الضوء على «الإسلام السنغالي» ويبرز خصوصياته التي يتجلى أغلبها في التصوف. والمتخصص بالشؤون الدينية الإفريقية، من خلال العنوان، طرح سؤالا يفتح به للقارئ مجالا واسعا للتفكر حول جذور الطرق الصوفية في السنغال، أي من أين أتت، ومن هم شيوخها وكيف انصهرت مع العادات والتقاليد المحلية.
في التمهيد، تحدث الكاتب عن الإسلام وعن مدى انتشاره في العالم، انتشارٌ يعد من تداعياته كون الدين الحنيف اليوم جسدا تحت وجوه متنوعة، مما أدّى إلى نشوء عبارات مثل “الإسلام الصيني”، و”الإسلام الفرنسي”، و”الإسلام الأسود”، إيماءً إلى الإسلام الإفريقي، إلى غير ذلك من تسميات تدل على أن الإسلام صار يُعزى إلى دولة أو قارة أو منطقة أحيانا، حسب الممارسات والمفاهيم. فلو كان الدين إتسانا لصدق من قال إنه متعدد الألقاب والأنساب. ومن هنا يقول البعض: الإسلام السنغالي، وهم إذ يستخدمون هذه العبارة إنما يوحون إلى التصوف السنغالي، كما أكد ذلك الكاتب من خلال الإفادة بأن النسبة المئوية التي يمثلها المتصوفون في البلد تتراوح ما بين 90 و 95 في المائة.
الكتاب على ثلاثة محاور، وفي كل محور فصول.
في المحور الأول تحدث الكاتب عن تاريخ الإسلام في السنغال وعن ظروفه داخل المجتمع. انطلق الكاتب من إطلالة تاريخية على مراحل دخول الإسلام في السنغال، مرورا بالانسجام الذي حصل بعد ذلك بين الدين وبين العادات والتقاليد المحلية، وصولا إلى ما نتج عن ذلك الانصهار من الخصوصيات التي يمتاز بها اليوم إسلام السنغال عن غيره. وهذا الانصهار، كما ذكر الكاتب، قد أمدّ للسنغال حماية منيعة عن أيادي الجهاد الضارة، ليبقى البلد بذلك معصوما عن التطرف الديني الذي أودى بحياة الكثير من أبناء المنطقة الساحلية، البلاد المجاورة.
أما المحور الثاني، فقد ارتدى فيه الكاتب زيّ المؤرخ مسترسلا في الإجابة على السؤال الذي هو عنوان الكتاب. وبذلك يتسنى للقارئ غير السنغالي وحتى السنغالي الذي ليس له في المجال باع طويل أن يلم بالظروف التي انحدر بها التصوف في السنغال. وهذه الظروف أهمها أن الحركة الصوفية أثناء وصولها إلى البلد كان العديد من السكان قد تاهوا وعمهوا في ضلالة أفضى بهم إليها بطش المستعمر. فالطرق الصوفية، بعبارة قرآنية، أخرجتِ الأهاليَ إذ ذاك من الظلمات إلى النور، سواء في ذلك الأجنبية كالتيجانية، والمحلية كالمريدية.
وفي المحور الثالث، تفضل الأستاذ بكري، مدير معهد تمبوكتو، بالإقلاع مع القارئ نحو تحليل دقيق لحالة الصوفية في السنغال، وبين له أثناء التحليق مدى تأثير الشيوخ والزوايا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وما كان بغافل عن إرفاق ذلك بصورة تعريفية قدم فيها الطرق الصوفية، واحدة تلو الأخرى، مع ذكر نبذة عن سير المؤسسين والزعماء.
وفي صفحات الختام، بين الكاتب أن التصوف في السنغال هو الحصن المتين الذي يعصم البلد من الوقوع في مخالب الجهاد والتطرف والإسلام الإيديولوجي. كما ذكّر أن التصوف السنغالي لا يقتصر على المساجد والزوايا، وإنما يعلو ذلك ليسمهم في سير البلد من كل النواحي، وأوصى بأنه ينبغي الحفاظ على التراث الصوفي إبقاء للاستقرار الذي منه الله علينا بفضل التصوف.


ولئن كان الأستاذ بكري صمب تيجانيا من حيث الانتماء الطرقي، فإن ذلك لم يؤثر قط على كلمته. بل أعطى للشباب درسا على الانفتاح ورحابة الصدر، وذلك إذ عبر عما يساوره من الإعجاب بالتلاحم السائد في الحركة المريدية، مسديا إليها الثناء. والكتاب، مع ما يحمله من رسائل أخرى، بلاغ موجه نوعا ما إلى الطاعنين في الإسلام من ذريعة التصوف، سيما الأوروبيين الذين كانوا ولا يزالون يلصقون بالإسلام نعوتا سلبية.
جزى الله الكاتب خير الجزاء على تثمينه المكتبة السنغالية، وزاده الله بسطة في العلم والجسم. فهو من خدام الوطن، ومن الرعاة على مصالح القارة والشباب.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici