قراءة عابرة عن الانتخابات التشريعية.

تبقى الديمقراطية في السنغال دائما مثمرة، تٌعطي أٌكٌلها ضعفين. ولوامتدّ العمر بأيقونات الديمقراطية، والنخبة السياسية، الذين تركوا بصمات النضال والكفاح، في التاريخ السياسي للسنغال، وأفنوا أعمارهم من أجل السيادة الوطنية، أمثال مامادو جاه، وَلْجٌوجٌو انجاي، عمر بلوندي جوب، مامَر جوْ، جان ألفريد جالو، آمادو كليدور صال؛ حتى يعيشوا هذه الصحوة السياسية، لاهتزت قلوبهم بهجةً، ولشعروا بالفخر والاعتزاز. فهنيئا للجيل السنغالي المعاصر. جيل يستطيع النزول إلى الميدان وبسْط قوة الشارع لاسترجاع سلطة الدّستور، كما لا يتوانى في الزحف والتبكير إلى صناديق الاقتراع، لفرض سيادته ولتقرير مصيره…
فيمكن للديمقراطية السنغالية أن تنزلق إلى متاهات الأزمة السياسية أو تدخل في الغيوم والفضاءات الرّمادية لمدة زمنيّة، لكن دائما تخرج هذه الدولة من الأزمات السياسية، فتشرق شمس الاستقرار والتعايش في تاريخها الديمقراطي العريق .

وإليكم هذه السطور وهي عبارة عن قراءة عابرة للانتخابات التشريعية.

إنّ زعيم الثورة ” عثمان سونكو” لم يخض هذه الانتخابات، لمجرّد الفوز بالأغلبية، فالشارع السنغالي والسياق السياسي، كانا يدلّان على أنّ الفوز مضمون. فالمعادلة الحقيقيّة لحزب باستيف كانت اكتساح البرلمان والفوز بأغلبية الثلثين، ليكون له فرصة مراجعة التعقيدات الدستورية وإزالة العوائق القانونية، التي تحول بينه وبين الملاحقات والمطاردات القضائية، أو تنفيذ مشروعه الاصلاحي على الأرض. وهذا الحلم بات قاب قوسين أو أدنى من التحقّق.
كما أن باستيف هدم بهذا الانتصار التاريخي، كلّ الأوهام التي نسجها الاعلام المضاد، بأن القاعدة الصلبة لباستيف أصبحت قاعدة رخْوة في غضون شهور من الحكم والسلطة.
ومن يقرأ بعين البصيرة والواقع، بعيدا عن الحزبيّة والعاطفة، سيشعر أوتوماتكيّا، أنّ عثمان سونكو يتحوّل تدريجيّا، من مجرّد زعيم سياسي وطني، إلى أيقونة نضال عالمية. على خطى جيفارا ، فديل كاسترو، توماس سانكرا، مهاتير غاندي. مانديلا .

أمّا تحالف( Takku wallu ) قد لا أبالغ عندما أقول أنّه كان يضرب آخر مِسْمار على نعشه، ويٌوقّع على “شهادة وفاة ” السياسة التقليديّة. فالرئيس ماكي صال خرج من أضيق أبواب التاريخ، ولا زال ذلك يؤلمه، وقد خاض هذه الانتخابات لأجل الاستطلاع وتقييم نفسه، فلو حصل توازن القوى بينه وبين الحزب الحاكم، أو استطاع فرض التعايش السياسي في المجلس التشريعي، بعد فرز الأصوات؛ لمهّد لنفسه ولحزبه، جسْر العودة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية 2029. فبعد هذه المجزرة السياسية لا أعتقد أنّه سيجد أجنحة للطيران في الفضاء السياسي.

السيّد بارت لمي جاز كان يخوض معركة “البقاء أو الفناء” ضدّ باستيف في مقاطعة دكار العاصمة، فلو انتصر على باستيف لكان له مساحة واسعة، لدخول مناورات أخرى، والاحتفاظ برئاسة بلدية العاصمة. أما هذه الهزيمة النكراء، قد تقطع كلّ الحبال والسّبل التي تبقيه زعيم دكار وعرّابها العملاق كما يدّعي دائما. وعندما يترشّح للمنافسة ضد عبّاس فال في الانتخابات المحليّة القادمة، قد تتعمّق محنته السياسية أكثر. ويجب على بارتلمي جاز أن يرتقي بسياسة الأفكار والبرامج لا بسياسة الابتزاز والاستفزاز، إن كان يريد مستقبلا باهرا .

السيّد آمادو باه كما أقول دائما، لأجل أن يصبح الانسان قائدا سياسيا ناجحا يحتاج إلى هذه الثلاثية
(الثروة ، الشخصية ، الشعبية ) وآمادو باه، عنده ثروة وشخصية محترمة وله خبرة على مستوى إدارة موارد الدولة، لكن تبقى القاعدة الشعبية تحول بينه وبين تحقيق أحلامه السياسية. لقد تأخّر عن الميعاد السياسي له، فلو انشّق من حكومة ماكي صال في التوقيت المناسب، وعبر البلاد لصناعة ركيزة شعبية لوجد مٌتّكئا يتّكئ عليها للعبور إلى حلبة المنافسة، لكنه كان ينتظر أن يورثه الرئيس صال قاعدته الشعبية. ولا زال يدفع ثمن هذا الخطأ الاستراتيجي، ومستقبله السياسي بين ( الممكن والمستحيل )

حزب( PUR) يعدّ من أحزاب الكٌتل، فقاعدته ثابتة، ولا تكاد شعبيته تتغير، لذلك كانت الحنكة والمصلحة السياسية في أن يشارك دون التحالف مع المعارضة، عند ذلك سيحتفظ بسمعته إعلاميّا ويستفيد بقاعدته إنتخابيّا، لكن الحزب ارتكب خطأ استراتيجيّا، جعله أكبر خاسر في هذه الانتخابات التشريعية.
فالسياسة لا تجري على عجلات العواطف والمشاعر وإنما تجري على مقاربة المصالح والمنافع.
البوليتك هو فنُّ تحقيق الممكن، ضمن معادلات الزمان والمكان والإمكان. وقد أخطأ الحزب عند الموازنة بين المصلحة والمفسدة، فقاد نفسه إلى مستقبل سياسي مجهول.

السيّد باب جبريل، فال سبق أن كتبت تنبّوءات عن مستقبله السياسي منذ سنوات، والواقع يثبت ماذهبتٌ إليه. تنقصه الأناة السياسية والنّضج الاستراتيجي، فهو يحتاج إلى ما يسمٌيه المفكر الأمريكي جوزيف ناي ب( الذكاء السياقي) فكان عليه التحلي بالصبر والاستماع وقراءة التاريخ وسوسيولوجيا السياسة، لاستيعاب الخريطة السياسية، ليستطيع تحديد الأولويات، ومنها ينتقل للعبور إلى مستقبل سياسي كبير. وإذا لم ينجح في كسب مقعد برلماني سيحتاج إلى الاعجاز السياسي للخروج من هذا التّيه الاستراتيجي.

السيد طاهر صار، رغم خطابه الانتهازي واستغلال السخط الشعبي للهجرة والأجانب، قد يجد مقعدا في البرلمان، حسب النتائج الأوّلية. عرف أنّ القومية المتطرّفة، صارت أكثر سلعة رواجا في الميدان السياسي بعد جائحة كرونا، لذلك بنى مشروعه السياسي على ذلك، فوجد آذان صاغية. ووصيتي له أن يحاول تغذية مشروعه وبرنامجه السياسي بأفكار أخرى، وذلك بعرض إصلاحات وأطروحات على مستوى الاقتصاد والتعليم والطاقة والزراعة، أمّا إن واصل هذا الخطاب الفارغ، الذي يتمركز كلّه حول الهجرة والأجانب، قد يدخل إلى المقبرة السياسية قريبا.

السيّدة أنت بابكر انغوم استطاعت الصّيد في الماء العكر، وخطفت مقعدا برلمانيا، في حين غفلة الجميع. ولعلّ كونها ناشطة في مجال المشاريع والأعمال، مكنّها من حساب المصالح والأضرار في التحالف مع Samm Sa Kaddu وكان حسابها دقيقا. ووصولها إلى البرلمان تعدّ خطوة مهمة نحو مستقبلها السياسي. فإن استطاعت اكتشاف بعض الثغور السياسية، ثم تسعى إلى ملئها بفاعلية، وتنتهز فرصة الوصول إلى المجلس التشريعي، لتعكس صوت الشعب وخاصة الشباب، قد يكون لها عمرا سياسيا مديدا.

✍️جبريل عائشة السماوي