قراءة الأديب تالا كاسي على رواية “زوارق الموت” .

0
900

استطاع الكاتب في روايته أن يوظّف ثقافةَ أفريقيا السوداء وِفْقَ معطياته المعرفية والفكرية لمعالجة قضايا ماضي بلدِه المُظلم كما حاول ربطَها بالحاضر المرير و بَلْورتَها لتنوير المستقل الغامض ، وبكلّ حيادية تمكّن هذا الرّوائيُّ مِنْ أن يترواح بين رؤى فلسفية مؤصّلة ، ومشاهد تاريخية مليئة بالحنين والأنين .
استوقفني مرّاتٍ وكرّاتٍ أسلوبُ سرده الماتع والمُبكي في آنٍ واحد لأحداث جزيرة غوري ودقّة وصفه لمعالمها الجغرافية والتاريخية ومهارة اختياره للكلمات المناسبة التي تنمُّ عن كثافة ثقافته الاجتماعية وطول اعتكافه وانكبابه على الكتب الآسرة ردحًا من الزمن بلا الالتفات.

إن هذه الرواية الفريدة الرائعة كُتِبَتْ بعاطفة صادقة وكَبدٍ مَقْرُوحَة وحرصٍ مُفرطٍ تعكس روحَ اعتزاز الإنسان الزنجيّ القديم بصلابة هويّته ووجوديّته أمامَ عواصف تيّاراتِ الفكر الغربي ، وهذا لَتلميحٌ أو إيحاءٌ جليٌّ للجيل الصّاعد أن يتثبّثَ بإفريقانيّته ويؤمنَ بأنّ لإنسانيته قداسةً وشرفًا وبالتّالي لا ينبغي أن ينسلخ من ذاته الحقيقية لمجرّد احتكاكه بالغرب أو الإنسان الأبيض.

قرأتُ هذه الرواية بكلّ جدّ واهتمامٍ وأَجِدُنِي تَائِها مكلوما متأسّفا أكادُ أَجْدَعُ مَارِنَ أَنْفِي أكرّرُ تحريك الرّأس من اليمنة إلى اليسرة وأقول في نفسي ياتُرى !!! إنّ أمثال بِلالْ كميّةٌ هائلة يحتضنها مجتمعنا السنغالي فكمْ أَذْوَتِ الفاقةُ المدقعةُ أُسَرًا معسورة كأسرتِه؟.

إنّها رواية بمعناها الأدبي لكنّها في الوقت نفسه فرصة ذهبية في شكلِ رسالة مكتوبة بدموع حارّة لإخبار العالَمِ بأسره ما تقترفه الأنظمية القمعيّة التي تتّخذها حكومات بُلدان أفريقيا ، وكيفية تبنّيها لفلسفات دكتاتورية في سوء إدارة الشؤون العامّة، وعدم كسر روتين البطالة الفتّاكة للشباب الإفريقي، واللامبالات المفرطة في اختلاس أموال الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان ، حتّى يكره الشُّبَّانُ والشّاباتُ أوطانَهم فيهجرون عنها عبر زوارق الموت نَعَمْ زوارق الموت لأنّ هذه الزوارق رغم هيبتها ووُعورة سبُلها وجسورها فبإمكانها أن تُمِيتَ آلامًا وأوجاعًا وتُضمّدَ جُروحا غائرة تسكن الشباب الإفريقي أو السنغالي، ثمّ تُحيي فيهم آمالًا وتحملهم إلى أرضية أخرى تسعُ لأحلامهم وتحترم حقوقهم وتعطيهم سعادة لائقة بهم.

إنّني بكلّ صراحة وُفّقْتُ بقراءة ماتعة لهذا العمل الأدبي العظيم
وأتمنّى لصاحب هذا القلم السيّال صديقي المفتش عمر لي تألّقات أخرى في أندية الأدب العالمية

تالا كاسي/غلام الخديم

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici