على آثار المؤرخ السنغالي الوزير إبدير تيام…[بليز الماسُوني والثورة السياسية عام 1914م] قصة أول نائب زنجي “بليز” .

0
361

بقلم / الكاتب المؤرخ؛ الحاج مور نياغ الجلوفي.

إن الانتماء إلى المحافل الماسونية لم يكن حديث عهد لدى الساسة والمفكرين في العالم، لأن تلك الشعارات البراقة “الحرية والإخاة والمساواة” خضعت جلهم فحسبوا التدين أساس الانحطاط والتدهور الفكري. ولكن كثيرا ممن اخرط إلى هذه المحافل من الأفارقة كانوا يبحثون عن حرص حصين وملجإ آمن يحفظ لهم ظهرهم في الساحة السياسية. وزعماء الصهيونية _ يعني ممثلو الأخ الكبير _ لا ينتظرون من هؤلاء السفلة _ فرامسونية افريقيا _ رأيا ولا فكرة، وإنما ينتظرون منهم التضحية لأجل الأخ الكبير رغم أنوف شعبهم وعلمائهم، فهمهم الوحيد هو السيطرة على العالم وفلسفتهم في ذلك هي الغاية تبرر الوسيلة!

فها هو الفتى الزنجي البَوَلي “غَلْلاي امبي” ابن السيد “نِخور جانج” والسيدة “نِيانِيَ بريرا” الذي رأى نور الحياة في جزيرة غوري، جزيرة التاريخ، وذاكرة الويلات والمأساة في منطقة افريقيا الغربية عام 1872م. منطقة جمع القدر فيها بين الزنجي والافرنج والخلاسي، فأخذ الافرنج من الزنجي مادته الخامة كما أخذ منه أكل السمك المسلوخ، والتنزه في بساتين الجزيرة ومناجاة البحر وراء الجبال والقصور. والزنحي الغريب في وطنه شرب قشور حضارة البيض فأتقن مسك الملعقة، والتفنن في ربط رباط العنق، وأكل الراءات أثناء التحدث مع بني جنسه.
ففي هذه البيئة التي سيطرت عليها الثقافة الغربية، تربى الزنجي الماسوني “بليز” فلا تغترب لأن “بليز” هو “غللاي امبي” نفسه، فقد تغير اسمه بعد أن تبناه الغربي “أَدولف كرينسبِي”. فنشأ الفتى الزنجي في بيت مسيحي بعد أن كانَ أبوه مسلما ثم صار الولد ماسونيا بعد أن بلغ سن الرشد، وهذا هو سبب دفنه في باب مقابر المسلمين في “سومبي جون” بعد وفاته عام 1934م.

شهد التاريخ عبقرية هذا الفتى الزنجي منذ نعومة أظفاره، ثم بعد التخرج انخرط الفتى الزنجي الى الجمرك السنغالي حوالي عام 1892م وعمره آنئذ خمسة وعشرون سنة د، فسافر الى داومي وغابون ثم الى فرنسا عند ولاية “غويان”. فيمكن القول بأن دخوله في الوظيفة الحكومية مهد له طريق الانخراط إلى المحافل الماسونية عام 1897م في دكار وقيل كان ذلك عام 1899م عندما احتفل محفل “أمتيي” بإستضافة هذا الشاب الزنجي الألمعي.

وكان “بليز” عضورا بارزا في المحفل حيث وصل الى أعلى المراتب في ظرف زمن قصير جدا. وخلال تجواله في فرنسا وملاقاة كبار الزنوج وبالأخص الرجل الماسوني “فرديناند إميل لوفيك” الذي فرش له السجادة الحمراء للدخول في الساحة السياسة، وزوجة “بليز” الفرنسية أيضا لعبت دورا بالغ الأهمية في اقناع حبيبه للدخول في السياسة.

وبعد عام 1910م بدأ الفتى الزنجي والماسوني يخطط لمشروعه السياسي، ويبحث ع رجال يساعدونه لكي يرسم الحرف الأولى في مشواره السياسي، فلقي كبار الزنوج في فرنسا الذين كانوا يحاربون لأجل تمزيق علم العنصرية في الثقافة الغربية، كما راسل كبار الساسة في البلد يومئذ أمثال السيد “غلندو جوف”. وفي يوم 5 من شهر فبراير عام 1914م تم وصول السيد “بليز” الى مسقط رأسه السنغال بعد غياب طويل دام ما يقارب 15 سنة.

إن دخول السيد بلير الساحة السياسية وجلوسه على عرش نائب سنغالي في الجمعية الوطنية الفرنسية يعد ثورة سياسية! ويراه البعض صولة جديدة لفرنسا لأن “بلير” بعد رجوعه الى أرض الوطن كان فرنسيا بيد أنه يأكل الكسكسَ و”الغربان”.

وقد صادف رجوع “بيلز” اقتراب الانتخابات التشريعية في السنغال، فعرب للسيد غلندو وأحبابه عن طموحاته ورغباته في تمثيل السنغال لدى الجمعية الوطنية الفرنسية، فنصحوه على الانضمام في جمعية الشباب السنغاليين لكي يجد شهوة وغنمة (اقرأ ما بين السطور ترى بأن الشبان في البلد ما ما زالوا يرسمون بصماتهم في صفحات المقاومة والنضال، ولكن الساسة يلعبون بهم ويرمونهم جانبا بعض الوصول الى الحكم، فما قصة ماكي وخليفة وأمثاله بلعيد) فرحب به الشباب وفتحوا له عرصات قلوبهم بعد أن احترق خطاباته عقولهم وقلوبهم، فشاع صيته بين الآفاق، لأنه زنجي مثقف، ثانيا سافر الى فرنسا، ثالثا يحوز بحماية كبار الساسة في فرنسا، (وهذا يضارع أيضا وصول الرئيس سنغور إلى السنغال) ولم يبق إلا أن يظهر عضلاته في الميدان، وهكذا فعل.

وقد كان البيض والخلاسون يومئذ يمثلون الزنوج في الجمعية الوطنية الفرنسية، وآخرهم هو موسي “كاربُو” الذي جلس على هذا الكرسي منذ عام 1902م، ولما جاء السيد “بليز” الزنجي ووقف أمامهم بالمرصاد، تغير الوضع وشعروا بالخطر الذي يهدد ملكهم فشمروا لاخراجه عن الحلبة السياسية بكل وسيلة، فقالوا وعملوا ولكن الأيام دولُ. وكان أشدهم على الشاب الزنجي والماسوني النائب المنتهية ولايته السيد “كاربو” وكان يقول بأن “بليز” أقرب من كونه بولي إلى كونه سنغالي، لأن أبوه قروي فقير وأمه ليس الا عاملة مسكينة! وأما هو فنسبه وشرفه لا يتناطح في معرفتهما كبشان (ابتسامة سنغالية)
هم من النبلاء والشرفاء وإن كان جده الخامس فرنسي شارك أحفاده مع القوم في مسيرة الخبر أيام الثورة الفرنسية التي خططتها الماسونيون عام 1789م. ومن الخيوط التي مسكوا بها أثناء التجولات الانتخابية قولهم بأن “بليز” يعير على عادات الغرب في عدم تعدد الزوجات، وقال في نساء الغرب ورجاله ما عرفه الجميع، وهو عدم اخلاص الفرنسيين لزوجاتهم بلا خجل، وايمانهم العميق بقانون عدم التعدد! (غريب أمر هؤلاء، ما هذا التناقض يا ترى!) وقالوا أيضا بأن الفتى الزنجي لا يؤمن بقومه وثقافة أجداده _ وقد صدقوا بعد ذلك _ لأنه يفضل المعطف والبنتال على “خَافتانْ” و”تيايَ”. فقد قالوا كثيرا ولكن في النهاية انتصر الزنوج على الخلاسين والأروبيين، كما انتصر أهل “ليبو” _ الذين لعبوا دورا بالغ الأهمية في فوز الشاب الزنجي _ على أهل “اندر”. فخرج “بليز” عن الانتخابات مرفوع الرأس، بعد أن دمر تحالف الأروبيين وأنصارهم في الجولة الثانية كان مرشح البيض السيد “خامبوغير”…

والغريب من الأمر أنهم لم يكونوا يعرفون بأن الفائزة الوحيدة في الانتخابات هي جمهورية فرنسا. فأثناء التجولات الانتخابية قال السيد “غلندو” قولته الشهيرة”: “لا تعطوا البلد لمن يجعل التراب في الكسكسِ، بل أعطوه لمن يؤمن بالكسكس ولا ينوي دفع التراب فيه! كلمات كانت تصدقها الواقع المعاش وخطابات النائب “بليز” ولكن الشيء الذي كان يجهله القوم هو، أن الكسكس والتراب كليهما بيد الأم الخئون فرنسا. فصارت الثورة صولة بعد زمن قصير فخان النائب سياسته، ومزق العلاقات بينه وبين مبادئها، فصار عميلا لفرنسا مخلصا لها ولرجالها. فقام باعطاء الكعك والبسكويت الى السناغلة، ويقدم الذهب والمجوهرات الى الأم الخئون فرنسا. وهكذا وصل أول نائب زنجي الى العرش، فكان وصوله ثورة في مجلات عدة، وصولة أخرى لفرنسا تمكنت بها استحمار البلد بكل ما للكلمة من معان!

هكذا الساسة في بلدنا، فهم منا ولكنهم عملاء لفرنسا، يخاطبونك بلسان موسى، ويطبقون سياسةَ فرعون. ذهب “بليز” وجاء “لمين كورا” و”سنغور” فساروا على منوال النائب الزنجي الماسوني، يهدون للشعب الفستق والكولا، ولفرنسا الذهب والبترول والفوسفاد. فيفرح الكبار بمذاق ضربات من الأرز، أكثر مما يفرحون بظهور البترول والفوسفاد. وهكذا دواليك الى أن جاء الجد واد وسار على درب “بليز” البحث عن حصن حصين في المحافل الماسونية، والتجرد عن جل أفكاره وآرائه التي خلدها في كتابه “مصير إفريقيا” وكل ذلك لأجل التمسك بالعرش. واليوم فإنا لله وإنا إليه راجعون! فالسكوت أبلغ من كل كلمة يحاول المرء البوح بها لوصف طغيان هذه الحكومة الجائرة.
ففي الختام يمكن القول بأن أول نائب زنجي السيد “بليز جانج” أحدث في الساحة السياسية ثورة كبيرة، ثم ساعد فرنسا بعد ذلك للسيطرة على افريقيا الغربية وبالأخص السنغال. فكان عميلا لدار الفاسقين بيد أن السنغال ذاقت خلال أيامه بعضا من البسكويت والسوكلات. فعلى الشباب أن يأخذوا الدروس والعبر عن هاته الحكايات. فمستقبل البلد بيد الشباب، فعليهم السهر والتضحية لأجله، والا فسيضحك بنا الأعداء عما قريب!

من ذكريات شهر فبراير!

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici