خطأ تاريخي ! وكارثة من كوارث تقسيم الاستعمار للمنطقة ! ماذا لو نفذ الرئيس السابق عبد جوف فكرة ضم غمبيا على السنغال في 1981 ؟

0
140

السنغال وغمبيا شعب واحد، لافرق بينهما، إنهما من أسرة واحدة ببطون شتى، لم تنجح حدود الاستعمار تفريق الشعبين الشقيقين، مع كل اختلاف الموجود في الثقافتين الإنجليزية والفرنسية، إلا أن الروابط الأخوية تبقى كما هي… لذا، لستُ عبر هذه المقالة في صدد تقليل قيمة غمبيا، أو السخرية أو المساس بسيادتها الوطنية، ولكن فقط إشارة إلى مرحلة مهمة في تاريخ المنطقة كانت تكفي لضمها، وتأسيس فكرة سِِنَغَمْبِِيَا العظمى في الواقع -التي أصبحت بعد ذلك مجرد فكرة اجتماعية واقتصادية إلى حد ما- ولكن لم تحظ بتأطيرها السياسي في الميدان، لا يخفى علينا (المطلعون على تاريخ المنطقة وحيثيات تأسيس دولة غمبيا) أنها مجرد إقليم من أقاليم السنغال تم إعطائها للمستعمر الإنجليزي وجعلها بعد ذلك دولة مستقلة، والمضحك في الأمر أن أهل كازماس عندما يتوغلون داخل الوطن يضطرون أحيانا لعبور غمبيا.

في 29 يوليو 1981 عندما كان الرئيس الغامبي سير جوارا في بريطانيا لحضور زفاف أحد أفراد أسرة الملك، وقع انقلاب عسكري مباغت في العاصمة بانجول على يد متمردين، اضطر الرئيس المخلوع للرجوع ولكن مباشرة عن دكار عاصمة السنغال، وهناك طلب مساعدة واستنجاد من الرئيس السابق عبد جوف للتدخل وإعادة السيطرة، وهكذا تناول الرئيس عبد جوف القضية في مذكراته قائلا بما هو معناه: “أنه كان مضطرا للتدخل ليس فقط أن الرئيس المخلوع جوارا طلب المساعدة، ولكن المتمردين الذين سيطروا على السلطة في العاصمة كانوا يشكلون خطرا جسيما على الأمن القومي الوطني وخاصة في حرب كازماس حينئذ ضد عصابة سالف ساجو وأعوانه المتمردين.”

وصول الديكتاتوري يحيى جامي للسلطة بعد ذلك يوضح الفكرة، لكونه أحد أبرز مساندي متمردي كازمانس، وكان يناصب العداء للسنغال بلا مواربة، لذلك لعب الرئيس السنغالي الحالي فخامة الرئيس ماكي صال دورا كبيرا في إطاحته، والتاريخ يكرر نفسه عندما رفض يحيى جامي تسليم السلطة إثر خسارته في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، كانت القوات السنغالية هي المنوطة بشن الهجوم عليه باسم الإكواس (CEDEAO) لو لم يقبل التنحي، وأصبحت القوات نفسها بعد ذلك تعتني بالأمن الخاص للرئيس الحالي آدم بارو، و تدخل الجيش السنغالي في غينيا بساو 1998 في عملية غابو ( كان تدخل الجيش السنغالي وغينيا كوناكري في غينيا بساو لمحاربة متمردي “أنسومانا ماني” ضد رئيس الدولة السابق “جواو برناردو فييرا” المعروف باسم “نينو” في يونيو 1998 وكانت حربًا دموية آنذاك) كل تلك المعطيات تشير إلى حساسية فكرة الأمن القومي الوطني التي تكلم عنها عبد جوف حين تدخل في غمبيا، إذاً، إن عملية إعادة السلطة في غمبيا وقتئذ كان بكل بساطة ضربة استباقية للسنغال ولأمنها القومي قبل كل شيئ.

بعد التشاور مع الجميع، قرر الرئيس عبد جوف شن الهجوم ونجحت القوات السنغالية في السيطرة على القصر الرئاسي في غامبيا وطرد المتمردين بعد عملية معقدة جدا، ومما زاد تعقيد العملية، أنه تم حجز زوجة الرئيس (المخلوع) جوارا على يد المتمردين وهددوا بقتلها إن لم تتراجع قوات السنغال عن الهجوم، إلا أن عبد جوف والمخابرات الأمنية لم تثبطهم تلك التهديدات، بل تمادوا في العملية حتى النجاح لأسباب أمنية.

والآن، بعد أن تم إعادة السلطة ورجعت المياه إلى مجراها الطبيعية ، وأصبحت القوات الخاصة من السنغال هي التي تسير الأمن داخل البلد وتعتني بالأمن الخاص للرئيس والقصر بصفة عامة، كثير من الناس نصحوا الرئيس عبد جوف آنذاك بضم غمبيا نهائيا، إلا أنه حسب كلامه لم يتسرع في القضية، بل قال: “لو أردتُّ ذالك لفعلتُ، لأن المجتمع الدولي حينئذ لم يكن يعير اهتماما كبيرا بما يجري في المنطقة، علاوة على ذلك، كثير من المسؤولين الكبار في الغرب وفي المنطقة وافقوا تحت الطاولة معي على الخطوة، وكان لدي أيضا ورقة ربح وضغط في نفس الوقت وتبريرات كافية للإقناع لو اخترتُ ضم غمبيا، إلا أني لم أتسرع، بل كنتُ دائما أنتظر المبادرة من الرئيس جوارا لتشكيل كونفدرالية على الأقل.”

وعليه، كان الرئيس السنغالي ينتظر بفارغ الصبر المبادرة من نظيره جوارا، بعد ذلك حسب مذكرات عبد جوف، اتفق مع نظيره جوارا على تأطير الفكرة وتأسيسها في أرض الواقع، وتكون فكرة سِِنَغَمْبِيَا بمثابة كونفدارلية بين البلدين قد تصبح بعد ذلك فدرالية تامة، ولكن للأسف الشديد بعد أن حصل جوارا على الخدمة العظيمة من السنغال وتم إعادة سلطته واستتب له الأمن، وحصل على كل الضمانات من نظيره السنغالي فيما يتعلق بتأسيس فكرة سِِنَغَمْبِيَا، بدأ يراوغ ويخلط الأوراق حتى أصبح بمثابة صديق مزيف أو متملق لعبد جوف، ولم يف بوعوده، ولم تزل للأسف الشديد حفرة التباعد بينهما في التعمق حتى ذهبت الفكرة أدراج الرياح، وهكذا أصبحت فكرة سِِنَغَمْبِيَا مجردة رواية تتناوله ألسنة أبناء شعب الدولتين الشقيقتين.

ختاما:
كان الرئيس عبد جوف بإمكانه القيام بذلك بكل سهولة، إلا أنه كان رجل دولة بكل معنى الكلمة، لم يكن يتهور، بل كل قراراته كانت تُدرس جيدا قبل التنفيذ، لذلك نتفهم عدم تنفيذه الفكرة آنذاك، ولكن بطبيعية الحال -حسب نظري- كانت فرصة تاريخية ضاعت للشعبين معا لإزالة الحدود الاستعمارية، وتكون دولة واحدة للأبد، ومع كل ذلك، فالسنغال وغمبيا شعب واحد، لافرق بينهما إنهما من أسرة واحد ببطون شتى، لم تنجح حدود الاستعمار تفريق الشعبين، مع كل اختلاف الموجود في الثقافتين الإنجليزية والفرنسية، إلا أن الروابط الأخوية تبقى كما هي… الخريطة تكفي مثالا لذلك.

حفظ الله البلدين من كل مكروه.

✍🏻 أحمد التجاني باه الفاسي
كلية العلوم السياسية في جامعة بومرداس بالجزائر.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici