خاطرة : لا تَتْركِ الصَّيْدَ مع الذِّئَاب.

0
525

كتب / محمد جميل اندوي

فالسنغال رُقْعةٌ جغرافيةٌ صغيرةٌ بِحدودِها ومساحتِها، لكنّها كبيرةٌ بتاريخِها ورجالِهَا، بَيد أنّ تَلَكُّؤَ الشّبانِ وتَوانيهم ، عن أخْذِ مسؤولياتهم تجاه أمْرِ البلاد والعباد، هو أُسُّ البلاءِ، ومنزع الشقاء، وأُحْبُولة الشيطان، ودنس الفضيلة فيها.
بعد أن اِرْتَسَمَ الألمُ والندمُ على أَرْوِقَةِ هذه البلاد منذ سنين عديدة، ومازَالَ شعبُها كحالمٍ له أن يَرَى وليْس له أن يأخذَ شيئا مما يَرَى إلى وصفه، فسَادَ عليها الفقرُ و طَغَى، وجَارَ عليها الظلمُ وبَغَى، وأَصْبَحَ الناظرُ إلى تَقَدُّمِ البلاد كالنَّاظِرِ إلى البَرقِ الخاطفِ أو السّحابِ المُتَرقرقِ وسطَ الصحراء يحسبُه الظمآنُ ماءً، لا يَتَمَتَّع الشّخصُ فيها بمكانةٍ إجتماعيةٍ مرموقةٍ، ولا بعنايةٍ إنسانيّةٍ رشيدةٍ، ولا بحقوقٍ قانونيّةٍ منتصفةٍ- إذا لم يكن في صلة مع الأسماء الخمسة- فذاق الشعبُ كلَّ أنواعِ المحنِ والإحنِ، وظلَّ يَئِنُّ تحت أثقالِ ضرباتِ الحكومةِ القاسيةِ وألوانِها الخادعةِ، ردْحًا من الزّمن غير يسير، فتعمل الحكومةُ جاهدةً على إجهاضِ كلِّ تحرّكٍ من الشَّعبِ قَبل أن يُولدَ، أو وَأدِه بعد أن يُوجد!
كما يقول المكتوم:
طغت الحكومة والحكومة إن طغت
يوما تُقابل بالفؤاد كما جرى
مسّت بكل كرامة أعضاؤها
وبمسّها تمشي الحكومة قهقرى
علموا بأن الدّين يقوى بالألى
جعلوا العقيدة مغنما لن يخسرا
ولذاك يختبرونكم بدراهم
إن الدّراهم رزق من خلق الثّرى
ماذا يغرّكم بشر حكومة
خانت أذلّ خيانة ما أخسرا.

يعيش الناسُ في سطوحِ هذه البلاد بلا سَبَدٍ له ولا لَبَدٍ، بلا غطاءٍ ولا كساء، لا يملكون شجرا ولا ماء، يجرعون كؤوسَ المرِّ والحنظلِ، أملُهم من الحياة أن يجدوا لقمةً يضعونها في أفواه عيالهم، يَشْعر المواطنُ فيها أنّه طيرٌ وَقَعَ في غُشّ غيرِه، هذا على حسابِ الاِنحطاطِ الخلقيِّ الّذي انتشرَ كدخان في الهواء، تُروِّجُه السفلةُ بكلِّ الوسائلِ المتاحةِ، فأصبحنا نَنْقاد للغرب، ونُقلّده تقليدَ الأعمَى، فيَسْتَعْبِدنا استعبادَ الضعفاءِ، ونَتْبَعه تبعيةَ الحمقَى، فانْسَلخنا عن هُويّتنا الأصلية، ما جعلنا عرضةً للتّهكمِ والسّخريةِ، فبِعْنا المجدَ والشّرفَ الَّذَيْن كانا وِسَامَ فَخْرٍ، خلّفها الأجدادُ لنا، مقابلَ الدناءةِ والهوانِ.
وعِنْدَما يَصِلُ البلادُ إلى قَابَ قوْسَيْنِ أو أَدْنَى مِنَ السُّقوطِ والهُبوطِ، فعلى كلِّ شابٍ يَتَحَرّكُ في حَنَايَاه ضَمِيرُ المواطنِ الأصيلِ والوجدانُ الأخلاقيُّ، أن يَأخذَ مسؤوليَّتَهُ بِقَوابِلِها، ولا يستخفَّ بقَدَمٍ يَرفعها أو يدٍ يُحرِّكها؛ لأنَّ التَّقدمَ ليس نباتًا شيطانيًّا، يَظْهَر بدون زارعٍ أو زراعةٍ، و كيْ لا نَتركَ للخوَنةِ والسَّفلةِ بُوصةً تقف بها، ونَدفعُ عجلةَ التَّقدمِ سويًّا، و مَهْما وقع اللَّومُ على هذه الفئة الغاشمة التي تَلوكُ ثرواتِ الوطن، وتمصّ دماء الشّعب، فإنّ قدرا مُمَاثِلا يَقع على الشُّبّان الَّذِين زَجّوا أنفسَهم في هامش الوجود فلمْ يحرّكوا ساكنًا، ومن الجنون _ إن لم يكن الجنون نفسه_ أنْ يفكِّرَ الغريقُ في صيْدِ سمكةٍ رآها.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici