كتب : عبدالإله بن نور جاورا الأروندي
الحمدلله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.
والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمابعد:
فليس عيبا الغضب إذا كان على حق دون تجاوز عن الحد، وإنما العيب فيه إذا كان على غير حق أو أمور تافهة.
وما أشدّ الغضب ضرره، وما أقلّ نفعه، وما اتصف به امرؤ إلا قلّ رفقاؤه،وصار مكروها لدى قومه.
إن الغضب مرض من أمراض التي نارها تتلظى في القلوب ، وداء من أدواء المجتمع الذي فرّق كثيرا من الناس ،وقادهم إلى فلاة الهلاك، وأزال الحياء والقيمة والهيبة على كثير من أصحاب المروءة.
((مفهوم الغضب ))
الغضب ضد الرضا
واصطلاحا: هو تغيير الحالة عن الطبيعة الأصلية؛ لأذية من الأذى فتنفعل.
((حكم الغضب ))
يترتب على الغضب عدة أحكام منها:
1-الكراهة: كأن يغضب بمجرّد مزاح معه فقط.
2-الوجوب:هو أن يغضب لله متى استهزئ بدين الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لرفع الظلم عن أحد.
3-الحرام: هو أن يغضب على أحد من أجل أنه قام لنصرة الحق.
((أقسام الغضب))
فالغضب قسمان: غضب الخالق،وغضب المخلوق.
1-غضب الخالق: هو غضب الله عزوجل على مخلوق من مخلوقاته لطغيانه في الأقوال أو فساده في الأفعال فوق الأرض.
فقد غضب على أمّة لفسادهم وطغيانهم في الأرض فجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطغوت.
قال تعالى: “قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّۢ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّٰغُوتَ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ”.سورة المائدة 60
وهذا يدل على أن الغضب صفة ثابتة للخالق دون تماثل للمخلوقين.
2-غضب المخلوقين: هو أن يقع بين إنسيين أو جنيين أو حيوانيين أو بين إنسن وجن أو إنسن وحيوان.
((حالات الناس في الغضب ))
فالناس في الغضب ثلاثة أصناف:
1-غضب قولي: هو من إذا غضب نطق.
2-غضب فعلي: هو من إذا غضب تصرّف بأفعال إما بضرب أو بأخذ سلاح.
3غضب سكوتي:هو من إذا غضب كتم غيظه أو أظهر غضبه بوجهه دون كلام.
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث واحد.
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». رواه مسلم
((أسباب الغضب ))
الأسباب التي تؤدي إلى الغضب كثيرة منها:
1-الاعتداء على الناس.
2-التهمة.
3-السخرية.
4-قتل الأبرياء.
5-السرقة.
6-الشتم.
7-الخيانة.
8-فضح عورات الناس.
((خطورة الغضب ))
فمن خطورة الغضب التعدّي في الأقوال والأفعال، فكم من غاضب قتل نفسه عن طريق الإعدام أو الأدوية المسمومة أو جبال شاهق أو مبانٍ مشيّدة أو الرصاص أو السكين أو بسيارات.
وكم من غاضب جرّه قوله وفعله إلى السجن أو الفتنة أو إلى فراق بين الأحبة.
فهذا رسول الإنسانية-صلى الله عليه وسلم-ماكان يغضب إلا لله،وكان يعرف متى يغضب؟وكيف يغضب؟ ولماذا يغضب؟وإذا غضب كيف يتصرّف مع المخطئ في الأقوال والأفعال، ولنا المثل الأعلى في قصّة أسامة بن زيد-رضي الله عنه- لمّا أراد الشفاعة للمرأة المخزوميّة.
عائشة -رضى الله عنها-: “أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ﷺ؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله ﷺ؟، فكلمه أسامة، فقال رسول الله ﷺ: أتشفع في حد من حدود الله؟، ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها”. متفق عليه.
ومن خطورة الغضب حبس أعمال المتخاصمين فلا تصعد إلا عند التصالح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم وفي رواية له ( تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين “.
((علاج الغضب ))
على المسلم أن يعلم ما أعدّه للكاظمين الغيظ من جنة عرضها السموات والأرض.
قال تعالى: “وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضُها السَّماوات والأرض أعدَّت للمتَّقين * الذين ينفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس واللّه يُحبُّ المحسنين”. سورة آل عمران 134
فمن العلاج للغضب في القرآن الكريم، والحديث النبوي مايأتي:
1-الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
قال تعالى”إِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”سورة الأعراف 200
وفي الحديث عن سليمان بن صُرَد – رضي الله عنه- قال: كنت جالساً مع النبي ﷺ ورجلان يستبّان، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد”. رواه البخاري
2- حبس النفس عند الغضب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.رواه البخاري.
3-قراءة القرآن الكريم
قال تعالى :” ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ”. سورة الرعد 22
4-السكوت والسكون والتغاضي والابتعاد عمن يغضبك.
الختام:
فإن كان الغضب من النار، فإن الصبر من الماء؛فأطفئوا نيران غضبكم بالصبر، وهذا رسول البشرية-صلى الله عليه وسلم- يوصي رجلًا بوصفة أخلاقيات للغضب بعدما كان متحيرا،يبحث عما يعالجه أو يطمئنه فلعله بحثه في الصيدليات التقليدية أو في البيوتات العربية أو الأندية أو في الأسواق ليشتريه،فلم يجده ،فلما وصل إلى مدرسة الأخلاق عند رسول المتمم للأخلاق الكريمة فسأله : بوصية تنقذه في الدارين. فلما نظر إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أدرك بأن له مرض الغضب فأوصاه بالصبر؛لأنه أدر ى الناس بفحوصات الأخلاق،وقال له: بعد طلب الرجل.
وعن أَبي هريرة -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِني، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لا تَغْضَبْ رواه البخاري
نسأل الله أن يشرح صدرونا، ويجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس،ويرزقنا حسن الخاتمة.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا