النظام التعليمي الجديد في مدارس طوبى.

0
216

بقلم الدكتور عبد الأحد لوح

أثار خطاب سماحة الخليفة العام للطريقة المريدية مؤخرا، حول نظام التعليم في طوبى، ردود أفعال وانطباعات تباينت خفة وشدة، وتمحورت أساسا حول التخوف على المدارس التابعة لتيارات إسلامية تخالف في المنهج التيار الصوفي السائد في المدينة؛ إلى درجة أن المرء المتابع قد يخيل إليه أن هذه المبادرة الحيوية ما هي إلا مَكْرٌ دُبِّر بليل؛ لتضييق الخِناق على التيارات المخالفة للصوفية!
والحق أن المطلعين على خلفيات مشروع إصلاح النظام التعليمي الجاري في طوبى منذ وصول الشيخ محمد المنتقى إلى سُدة الخلافة، قبل خمس سنوات، يدركون أن إعطاءه إشارةَ الانطلاق للعمل بهذا المشروع الطَّموح، في هذا التوقيت؛ “فعل” من لدُنْ سماحتِه، وليس “رد فعل”، بل إنه تكميل لسلسلة من حلقات التطوير في مجال التربية والتعليم، تَكفَّل الخليفة المُفَدَّى بإنجازها في طوبى؛ تجسيدا لرؤية الشيخ الخديم رضي الله عنه ودعوته إلى العلم والعمل.
ولا يخفى عليكم أن الشيخ المنتقى-حفظه الله وجَنَّبَه كل ما يُتَّقى- قد ضرب أروع الأمثلة الشاهدة على شدة عنايته بالتربية وضمان حق المسلمين جميعا في الاستفادة من ثمراتها، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والعرقية والجغرافية؛ وذلك حين أقام هذا الصرح العلمي الشامخ الذي سماه “مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين” ، وجَعَله للناس، سواء العاكف فيه والباد. ومن بشائر الخير والفأل الحسَن أن المجَمَّع يضم في رحابه حاليا معهدا لتحفيظ القرآن، ومعهدا للتعليم المجلسي، وجامعة تضم كليات عديدة أبرزها كلية الدراسات الإسلامية والعربية. ويعلم الله أن هناك عددا من الطلاب المحسوبين على التيارات الإسلامية المخالفة للتوجه الصوفي يتابعون دراساتهم في مختلف مكونات المجمع، بما في ذلك الكلية المذكورة، بدون تمييز أو إحراج أو تصنيف، أو تهميش، وإن كانت الخيارات المذهبية للمناهج الدراسية مُعلنة ومحصورة في العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الجنيدي.
وعلاوة على المكونات المذكورة، يضم المجمع هيئة إشرافية تسمى ” إدارة مدارس طوبى” تتلخص مهمتها في الإشراف على المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بمختلف نماذجها العرببة الإسلامية، والعربية الفرنسية، والفرنسية، داخل العاصمة المريدية.
وعلى هذا، فإن ما يراه بعض الناس في خطاب الخليفة قبل يومين، رد فعل موجه للتيار المحسوب على السلفية في المدينة المقدسة، لا يعكس الواقع والحقيقة؛ ذلك أن الإدارة المذكورة آنفا كانت قد باشرت عملية مراجعة المناهج المعمول بها في طوبى، و السعي إلى تكييفها مع تعاليم الشيخ الخديم ومع واقع مدينته ، عبر الخيارات المذهبية التي أشرنا إليها آنفا. وتلك عملية شاقة أداها طاقَم الإدارة، بالتعاون والتشاور مع الفاعلين والمسؤولين عن المؤسسات التعليمية المنتشرة في طوبى؛ وذلك لإدراج الخيارات المناسبة بيانا، وتعديلا، وإضافة؛ حتى استوت المناهج الموَحَّدة على سُوقِها، فقُدِّمتْ إلى الشيخ الخليفة؛ ليعلن إلى جمهور المعنيين بالأمر أن قد أصبحت للمدينة مناهج دراسية تُراعِي العموميات والمشتركات مع المناهج الحكومية، ولكنها تتميز عنها بخصوصيات المدينة وخياراتها وتوجهاتها الروحية.
وفي هذا الإطار يمكن أن نسجل فيما يلي بعض التطورات التي حصلت بعد تبني النظام التعليمي الجديد :
1- أصبح للمدارس الفرنسية العمومية والأهلية برنامج قوي في اللغة العربية والتربية الإسلامية والثقافة المريدية، من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية؛
2- أُدْرِجتْ مادة التصوف الإسلامي في مناهج المدارس الإسلامية والمدارس العربية الفرنسية الأهلية والعمومية على حد سواء.
3- اقتُرِحت مقتطفات في الفقه والعقيدة والتصوف والنحو، من منظومات الشيخ أحمد الخديم؛ وذلك لتكون خلاصة للدروس المأخوذة في تلك المواد؛
4- استُمِدَّتْ مقطوعات الأناشيد والمحفوظات من حِكَم شعراء المريدية المنظومة باللغة الولوفية على النظام العروضي العربي؛
5- تم تقييد المسائل التي يختلف فيها محتوى المناهج الرسمية عن الخيارات المذهبية المذكورة في العقيدة والفقه في وثيقة تتضمن التعديلات والإضافات المدرجة في المناهج التعليمية
6- سيتم رفع ساعات الدوام في جدول المدارس؛ تمكينا لها من مواكبة المنهج الجديد؛
7- سيكون التعاون وثيقا بين إدارة مدارس طوبى، ومفتشية مباكي للتربية والتكوين، ومفتشية جربل الأكاديمية، من أجل السهر على تنفيذ الإصلاحات المطروحة.
وأخيرا، لم يعد يخفى عليكم أن الإشراف على تنفيذ إصلاح جديد بهذا الحجم وهذه الأهمية، كان يتطلب خطابا توجيهيا من لدن الخليفة يعلن فيه إذنه بالشروع في العمل بالمنهج الجديد، وهو ما تم بالفعل، يوم الأحد الماضي؛ وبالتالي لم يبق إلا تعاون الجميع مع إدارة مدارس طوبى في المجمع، على نقل مشروع الإصلاح من حيز التصور النظري إلى واقع ملموس في مدارس طوبى.
وإلى ذلكم الحين، نرجو :
1- من أصحاب المدارس في طوبى الاتصال بالإدارة للتعرف على الكيفيات المعروضة للتعاون معها؛
2- ومن المراقبين حسن الظن والتفاؤل بمآلات الأمور التي ستترتب على قرار الخليفة بإذن الله؛ فإن الشيخ محمدا المنتقى أيده الله ونصره، أحرص الناس على التسامح، والوحدة والوئام بين المسلمين على اختلاف مشاربهم، داخل طوبى وخارجها.

حرر في طوبى يوم الثلاثاء 17 من شهر ربيع الأول 1445هـ/ 3 أكتوبر 2023م

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici