“الفكر الاصلاحي عند السيد محمد مصطفى سي: الندوة العالمية للشباب المسلم عام 1989م نموذجا”

0
331

الندوة العالمية للشباب المسلم
34 سنة بعد مرور هذا اليوم العظيم الذي شهد فيه تاريخ السنغال عبقرية أحد وأبرز علماء هذا القرن؛ وهو الشيخ محمد مصطفى سي زعيم جمعية المسترشدين. فيمكن القول بأن كل شيء بدأ في عام 1978م حيث تولدت جمعية المسترشدين _ وهناك فرق بين دائرة المسترشدين والجمعية _ وبدأ رجالها العظماء يسهرون لانقاذ الشعب السنغالي المسلم وبالأخص الشباب والنساء. فدخلوا في البارات والمقاهي والملاعب. يروى بأن أول ليلة جمعة أقامتها الجمعية كانت في بارة معروفة باسم “باليجوم” احدى بارات حارة كولوبان آنذاك. وظهور هذه الجمعية في الساحة الدعوية في هذه الفترة (1978م) كانت نعمة لجميع المسلمين والشعب السنغالي أيضا. لانها بعثت الروح في حياة المسلمين، حيث كان الإسلام “مولد” و”مغال” اللهم الا بعض الحفلات التي يقوم بها كبار الدعاة أمثال الشيخ “سام امبي” والشيخ أحمد التجاني سي المكتوم. فأتى هؤلاء الشبان بصبغة أخرى في أسلوب الدعوة الإسلامية في البلد حيث أنشأوا الدوائر في كل أقطار العاصمة السنغالية مدينة دكار بداية من “بوب” “نيار تل” ثم “ديركلي”. يروى بأن بداية دعوته الاصلاحي في مجال التربية والتعليم كانت رائعة جدا حيث كان المرشد يوقد المذياع مع أغنيات ذاك العصر أمثال ألفا بلوندي وبوب مارلي فيقصده أبناء حارة دكار الذي ارتووا من ايدولوجيات الغرب وغرقوا منها حتى الأذنين. فيجلسون حوله للاستمتاع وعندما يبلغون حد النشوة وسافروا مع المغني إلى النيرفنا يفاجؤهم الشيخ المرشد بعبارات روحانية، التي مصدرها تعاليم رسول الإنسانية محمد عليه السلام، وأفكار كبار العلماء من المسلمين. وهكذا بدأ معهم حتى سئموا من الاستماع إلى من يبكي على الأطلال وشمروا العبادة والعمل. وفضلوا اطفاء المذياع والاكتفاء بالاستماع إلى كلماته الاسترشادية، فعلموا بأن هناك رجلا عظيما أرشد الإنسانية قبل أن يستيقظ الغرب من سباته العميق مع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وحاولت تزوير تاريخ الإنسانية بصفة عامة والإسلامية بصفة خاصة. يقول السيد مصطفى وصفا لحال هؤلاء الشباب: “ومفهوم التطور الحضاري عند هؤلاء ليس الثقافة الجيدة والعلم الصحيح والخلق الكريم، بل أخذ قشور المدنية الغربية من الشرب والرقص في الحفلات تارة باسم (ريغي) ديانة (راستا) وعلى رأسها نبي الشباب (بوب مارلي) أو (مايكل جاكسون).” ثم إن هؤلاء الفتية عزموا _ طوعا _ مساعدة الشاب النبيل في تنفيذ مشروعه الدعوي والاصلاحي الذي عماده الاهتمام بالأسرة المسلمية كعمود فقري لبناء مجتمع اسلامي، وثانيه الاهتمام بالتربية والتعليم، ثالثه الاهتمام بالشوارع وعدم ترك فراغ يستغله الأعداد لهدم أخلاق النشء والشباب، وأخيرا التركيز في الإعلام لدوره الأساسي والفعال في حياة الشعوب. وبعد أن اقتنعت الشباب لأفكاره النيرة، وآرائه التي تجعل المرء يحس بمسؤولية الخلافة {أني جاعل في الأرض خليفة} قامت جمعية نسوية مشهورة تدعى ب “Les soeurs unis de Derkele” بتنظيم حفلة كبيرة واختارت الجمعية النسوية الشيخ مصطفى محاضرا لهن!

وهكذا بدأت جمعية المسترشدين تلعب دورا بارزا في الساحة الدعوية والاجتماعية حتى عام 1989م حيث أزمع الشيخ المرشد تنظيم ندوة عالمية للشباب المسلم في “Cicess”
فحضرها العلماء والمصلحون في جميع أنحاء العالم وخاصة العالم الإسلامي، كما زين افتتاح الندوة حضور رئيس جمهورية السنغال السيد عبدو جوف.

وكانت الندوة هي الأولى في السنغال وفي افريقيا الغربية حيث اجتمع فيها جميع الاسر الدينية والعلماء والمصلحون.


افتتح الحفلة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم ثم ألقى المرشد كلمات الترحيب لضيوف السنغال والمسترشدين، قبل أن يلقي رئيس الجمهورية كلمات الشكر الى ذاكرة الجمعية الشاب النبيل مصطفى الذي شارك في ارشاد الشباب وتوعية الشعب قبل هذه الندوة. وقد عبر المرشد في خطابه التاريخ يومئذ مشكلات الشباب الحائر بين مادية الغرب وروحانية الشرق، فأظهر من خلال كلماته عيوب فلسفة الغرب في تربية الانسان، ورفض بعض العلماء المسلمين الاستفادة من مادية الغرب، فدعا الى ضرورة الجمع بين مادية الغرب وتعاليم الإسلام وبمعنى آخر الجمع بين العقل والقلب لأن هذا ما يضمن توازن الانسان في هذه الفانية، فلا افراط ولا تفريط {وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} فهذا الشيخ هو أول من نادى بتطبيق فلسفة “تدين العلم وتعلم الدين” في السنغال حيث يقول والده المكتوم إشارة إلى شمولية الإسلام:
[كذلك ربى المصطفى بخلاله**ومن سادة الحسنى بلال وسلمان
فأول من قد جاء بالدين والدنى ***رفيقين حتى يفهم الغيب ولدانُ]


ولم يكتف الشيخ بالدعوة فقط وإنما دخل الميدان مع رجاله للتغيير والتبديل في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذا يجسده قيامه جنب الشعب في الانتخابات التشريعية والرياسية عام 1993م لمعارضة سياسة الرئيس جوف الذي كان يمشي على آثار الملك الذي جعل أهله شيعا!


فكانت مبادرة قيمة من قبل هذا الجيل الذي لعب دورا لا بأس به في دفع تقدم الدعوة الإسلامية في السنغال. وقد زينت الندوة العروض والأمسيات الشعرية وغيرها من البرامج التي تبعث الروح في حياة المسلمين الاجتماعية والثقافية. فقد كان ملتقى لجميع علماء السنغال والطلبة، فالإسلام بحاجة إلى مثل هذه النشاطات التي تربط الشيعي والسني، وبين المسلم والمسيحي لخدمة الإنسانية، لا إلى التدابر والتنافر والتنابذ بالألقاب أحيانا!
ونحن _ الشباب _ اليوم بحاجة ماسة إلى هذه الندوات التي تبعث الروح في حياتنا الاجتماعية والسياسية لأن هذا الفراغ اذا لم نقم بسده فسيلعب بنا الغرب بواسطة هذا الغزو الثقافي التي بدأت منذ زمان تدمر كلما بناه الأجداد الكرام، يقول محمد المصطفى سي: “وقد أقر علماء النفس أن الفكر المضاد لا يمكن أن يعيش إلا إذا وجد فراغا.” ترى فهل من قائد يتحمل مسؤولية إقامة ندوات عالمية او وطنية لهذا الشباب الحائر وبالأخص المسلم الذي قال في حقه السيد محمد مصطفى سي: “فنعم! ان مسلم القرن العشرين _ وخاصة الشباب _ يعيش اليوم في حالة التدهور وفي حالة نزاع عقيم، ويضطرب تحت المزاج أكثر مما يعمل وفق القوانين المنطقية والدينية، فيختار الذلة المادية العاجلة على العزة الإسلامية الخالدة. وأصبحرة الشباب المسلم مع كل هذا، وكأنه أمام هذا التحدي المادي {لا يدري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}”

الجلوفي
الذكريات/ شهر فبراير

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici