الدور التاريخي والريادي لجمهورية مصر العربية 

0
332

بقلم / الدكتور محمد حسني عمران عبدالله

رئيس البعثة الأزهرية في السنغال.

لا يخفى على أحد شدة الأزمات والأحداث المتلاحقة والتحديات الكبيرة-في الوقت الراهن – التي تواجه العالم بوجه عام والوطن العربي والإسلامي بوجه خاص حيث تم تفكيك الكثير من الدول وتدميرها بصورة تحمل الكثير من الأسى والحزن على انهيار هذه الدول ، وفقدان الأمن للشعوب، وارتفاع الأزمات الاقتصادية، وسوء الحالة التعليمية والصحية والمجتمعية كتبعات فرضتها الحالة القائمة لتلك الدول بالإضافة إلى حالة الضعف العام التي تخضعها لحالة من السيطرة الخارجية والتحكم في إدارة البلاد، وتغذية الجماعات المسلحة زيادة في إضعاف الجو العام.

ومع هذا لازالت – وستزال إن شاء الله- جمهورية مصر العربية متماسكة تواجه هذه الصعاب والتحديات الكبيرة مع العمل على التنمية المستدامة رغم ما تمر به من ظروف اقتصادية صعبة. 

وستظل مصر -قبلة وأملا- للعالم العربي بوجه خاص والإسلامي بوجه عام؛ لما عرف عنها من الموقع الجغرافي المتميز، والمكانة التاريخية العريقة،والثقافة الدينية الرصينة المنضبطة حيث تحتضن أكبر المدارس العلمية الدينية في العالم (الأزهر الشريف)، كما تمتلك المنزلة الحضارية العالية فلقد جمعت بين عدة حضارات على أرضها، وتمسكها بالقيم الإنسانية النبيلة حيث ترسخ فيها التعايش السلمي بين المختلفين دينيا، وما تقوم به من أدوار عديدة تجاه العديد الدول وقضايا العالمين العربي والإسلامي والمواقف الإيجابية تجاه قضايا الأمة.

ومع كثرة الأعداء والمتربصين وأصحاب المصالح الشخصية والحزبية وأصحاب الأجندات الخاصة الذين لا يعرفون إعلاء لمصلحة الوطن، ولا مراعاة للظرف الراهن، ينبغي على كل مخلص أن يقطع الطريق على هؤلاء المتربصين الذين يعملون على طمس التاريخ، وتشويه الحقائق، وبث الشائعات، وترويج الأكاذيب، وتوهين قيمة الوطن في نفوس أبنائه.

وقد وصف أمثال هؤلاء الإمام ابن حزم – رحمه الله – بأنهم  أصحاب نوايا خبيثة رأيت أكثر الناس إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً من نيات خبيثة يضبون عليها، من تمني الغلاء المهلك للناس وللصغار ومن لا ذنب له، وتمني أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه، أو يوجب كونه. وإنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولا قتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يريدونه أو يمنع كونه. انتهى كلامه رحمه الله.

فيجب العمل على الوعي بأمر هؤلاء، وأمثالهم، وعدم الانزلاق معهم، أو التأثر بهم، ومواجهتهم بالفكر الصحيح، والعلم النافع، والعمل لما فيه خير البلاد، وما يرضي رب العباد تحقيقًا لعمارة الأرض التي أمر بها.

نحن نرى أناسا بلا تاريخ ولا حضارة يصنعون تاريخًا مزيفًا يتغنون بأمجاده، فكيف من حباهم الله بمثل هذا التاريخ الكبير وأجرى ذكره في كتابه وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- ومأثور كلام الصحابة والتابعين والعلماء والمصلحين.

إن مصر تحتاج إلى وعي حقيقي بقدرها ومكانتها التي منحها الله إياها، ثم إلى بنَّائين لا هدامين.

أَنْجدوا مصر إذا ما فَزعت …وأهابت بالكُماة الباسِلين 

احفظوها إن مصراً إن تَضِعْ… ضاع في الدنيا تراث المسلمين.

فعلى جميع أبناء مصر (قادة وشعبا) أن يعملوا على رفعتها وازدهارها واستقرارها وقوة اقتصادها وأمنها وأن يتكاتف الجميع ويتحملوا المسئولية المجتمعية التي تحقق العيش في كرامة والعدالة بين أبناء المجتمع الواحد، وخلق بيئة ترفع أسلوب الحوار الهادف، والنقد البناء، والنصح الخالص وهذا يثمر اختلاف التنوع الذي يعمل على الثراء والتكامل، لا اختلاف التضاد الذي يدعو للتطاحن والتحارب.

وينبغي أن يراعي العقلاء مآلات الأمور وعواقبها (فليس للأمور بصاحب من لا ينظر في العواقب) والقاعدة الفقهية تقول: (يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام) لأن الضرر الخاص لا يكون مثل الضرر العام الشامل.

وكذلك يقدم دفع المفاسد على جلب المصالح.

وأي مصلحة تعود على الإنسان حتى يكون أداة لهدم الوطن، وبث روح اليأس، وزيادة الاحتقان في نفوس الناس، واستغلال ظروفهم، بدلا من التخفيف عنهم.  

لا شك أن الهدم والفوضى بيئة خصبة لظهور مرضى النفوس، وأصحاب المآرب، والعابثين والفاسدين وخروج الخفافيش التي تعشق الظلام ولا تعمل إلا فيه.

كما أن غياب الأمن وزوال الدولة فرصة -أيضًا- لضياع الحقوق وحصول الاضطراب والقتل والسلب والنهب وسفك الدماء، والسرقة والزنا والاغتصابوانتهاك الأعراض، إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة.

هذا.. وإن حب الخير للوطن فطرة سليمة -مهما ألم به من ظروف، أو أصابه من نائبات الزمان- فكما قيل: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها توَّاقة.

وقال آخر: احفظ بلدًا رشَّحك غذاؤه، وَارْعَ حمًى أكنَّك فناؤه. وأولى البلدان بصبابتك إليه بلد رضعت ماءه، وطعمت غذاءه.

وقال آخر: إذا كان الطائر يَحِن إلى أوكاره فالإنسان أحق بالحنين إلى أوطانه. وقال الحكماء: الحنين من رقة القلب، ورقة القلب من الرعاية، والرعاية من الرحمة، والرحمة من كرم الفطرة.

وقال آخر: الكريم يحن إلى جنابه، كما يحن الأسد إلى غابه.

وفي التراث العربي شعرًا ونثرًا ما يجعل حب الوطن أمرًا مجمع عليه ولا خلاف فيه، وأن العاقل يرجو له السلامة، ويأمل له وجودًا سعيدً، وعيشًا رغيدًا، ويعمل على إشراقه وازدهاره وقوته وتماسكه.  

حفظ الله مصر شعبا وجيشًا من كيد الكائدين وتربص المتربصينوجعلها الله أمنًا أمانًا سلمًا سلامًا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici