كتب / حماه الله شيخنا صو
مجاز في العلوم السياسية والإدارية.
متخصص وباحث في إدارة المؤسسات وريادة الأعمال.
التمهيد
“الاستثمار في التعليم، دائما ما يحقق أعلى العوائد “ بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين لأقوى قوى العالم، الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد التربية والتعليم ، من أهم وظائف الدولة المعاصرة “دولة الرفاهية État – Providence”، والتي تسعى إلى تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية لضمان راحتها. وهذا ما يدفع الحكومات إلى إنفاق المليارات سنوياً لتوسيع التعلم ومحاربة الأمية من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمان الجودة العالية في البرامج والمناهج التربوية والتعليمية، لتساهم عوائدها في تنمية البلاد.
فالسنغال كواحدة من بين الدول المُستَنْمِية، والتي تسعى جاهدة إلى رفع مستوى التعليم، مع عدم كفاية هذه المجهودات مقارنة بنفقات الدولة في المجالات الاقتصادية والرفاهية.
التعليم في ميزانية الدولة
يبلغ موازاة التربية لعام 2023، 778مليارا و 549 مليونا. والتعليم العالي 334 مليارا 623 مليونا والتكوين المهني يبلغ 85 مليار 859 مليون. ما يجعل مجموع قطاع التعليم بشكل عام يصل في هذه السنة إلى 1990 مليارا 31 مليونا من أصل 6411 مليارا أي بنسبة31% من الموازنة العامة للدولة في هذا العام.
إن دولة كالسنغال بمعدل جهالة لا يقل عن 50% وبطالة يزيد على 23%، كان حريا على حكومتها مضاعفة مجهوداتها في توفير خدمات التعليم وتوسيع نطاقها مع العلم من أن السنغال متقدم بنسبة كبيرة على دول الجوار في هذا المجال.
التعليم أكبر مهمات الشيخ أحمد الخديم
وهذا ما فهمه منذ أيام الاستعمار – والمستعمرون آنذاك في أوج قوتهم- مؤسس الطريقة المريدية، أبو المحاميد الشيخ أحمد بمب ( رضوان الله عليه) فجعل جهاده الأول في حياته نشر العلوم بعد اتهم بالخروج والعصيان لـ(لولاة الحكم) والتحريض على ذلك وكلفه ذلك ما كلفه، وأنشد في ذلك:
ومقالكم إني أجاهد صادق
إني لوجه الله جل أجاهد
إني أجاهد بالعلوم وبالتقى
عبد خديما والمهيمن شاهد
يعترف الشيخ هنا بما اتهم من ممارسة الجهاد إلا أن جهاده وجهوده كانت في نشر العلوم والتأليف والنظم والتلخيص والنصح والإرشاد ويقول أيضا:
واجعل بنائي بناء علم
وعمل بسنة وحلم
واجعله دأبا مسكن العلم
وموضع الفكرة والتفهم
ومسكن الإرشاد والتعليم
ومسكن التصويب والتفهيم
ووضع من خلال هذه المبادئ الأسس الدينية والاقتصادية والاجتماعية التعاضدية التي سيقوى عليها بعده أتباعه، المجتمع المريدي.
فها نحن بعد قرون من تواري الشيخ الأول للطريقة المريدية، يجسد خيرُ خلَفه، وارثه حسا ومعنى، خليفته الشيخ محمد المنتقى بشير امبكي ( حفظه ورعاه)، أفكاره وتعاليمه بإنجازات على مستوى الطريقة والتربية والتعليم والاقتصاد الاجتماعي والتعاضدي وغيرها من المجالات. وأبرز هذه الإنجازات في مجال التعليم -والذي هو موضوعنا اليوم- مجمع الشيخ أحمد الخديم والذي يعد صرحا علميا حديثا بقدر ما يحافظ على الأصالة والتعليم العتيق، وقد أنجز بأمر ومبادرة من الخليفة الحالي وبمساهمات المجتمع المريدي إلى أن تم خدمات كثيرة فيه ودشن اليوم 6 فبراير 2023.
الخليفة.. غَيْثٌ ينقذ الدولة والمستعربين.
كما أشرت آنفا أنه من واجبات الدولة المعاصرة تأمين التعليم وتوسيعه ليتعلم كل مواطن دون شرط أو تمييز، وكما أشرت أن دولة السنغال تخصص ما يزيد على 31% من موازنها في المجال إلا أن حكوماتنا لم تعر اهتماما كبيرا لمجال التعليم العربي الإسلامي وأبنائه وهم مواطنون سنغالييون يفترض لهم نفس حقوق أبناء التعليم الفرنسي وعليهم نفس الواجبات إلا أن الواقع يخالف ذلك تماما.
ففي حين أن الدولة أنشأت للمتفرنسين ما يصل إلى سبع جامعات وبضع معاهد عالية للتكوين المهني ناهيك عن المراكز والثانويات المهنية ومدارس التميز وغيرها وتستجيب وبشكل كبير إلى احتياجات التعليم والتكوين لمن اختاروا اللغة الفرنسية، نرى أن النسبة الكبيرة من الشعب والذين اختاروا اللغة العربية والقرآن والتعليم المجلسي العتيق ليس لهم أي جامعة حكومية ولا معاهد تكوين سوى قسم للغة العربية (والذي أنشئ بالأصل لغيرهم) وبعض دور القرآن ومدرسة تميز كمبادرة مشكورة من الرئيس الحالي السيد ماكي صال.
وقد أدى هذا التهميش إلى احتجاج المستعربين في السنوات الأخيرة في وجه الحكومات مكونين بسبب ذلك تجمعات نقابية واجتماعية وطلابية وحتى سياسية للمطالبة بإصلاحات في التعليم العربي الإسلامي وإنشاء صروح أخرى يلجأون إليها لسقي عطشهم المعرفي والتكويني.
نُدبةٌ أعرضت عنها الدولة واستجاب لها الخليفة المريدية الشيخ محمد المنتقى حفظه الله ورعايته، استجابة يليق بنيته الكبيرة في تطوير أوضاع المستعربين وهِمَم أتباعه الأوفياء ليكون هذه الإغاثة مجمعا علميا بقيمة ٣٧ مليار فرنك سيفا أي ١،٨٪ من موازاة القطاع التعليم بشكل عام للدولة ويحقق ما لا سابقة له.
وسيساهم هذا الصرح العظيم في ضماد جروح المستعربين والستر على تقصير الدولة في التأمين لشريحة كبيرة من أبنائها من التعليم العربي الإسلامي المتميز.
المجمع.. تحقيق للأحلام
يتكون هذا المجمع من معهد قرآني ومجالس تعليمية وجامعة تضم كليات إسلامية، أدبية وعلمية جاهزة ومعاهد عالية للتكوين المهني والحرفي ومعاهد للدراسات والبحوث ومكتبات مع العلم أن هناك مشاريع كليات أخرى نترقبها قريبا بإذن الله.
يتسع مجمع الشيخ أحمد الخديم لـ٥٠ ألف طالب. وهو فرصة كبيرة لآلاف الشباب المتخرجين سنويا داخل السنغال وخارجه دون إيجاد فرصة لإكمال دراستهم في المجالات التي يرغبونها أو يضطرون إلى السفر إلى الخارج بعيدا والتخصص في مجالات لا ليمكن لصاحبها الاستقلالية بعد تخرجه.
كما سيساعد الجامعة في اندماج الخرجين من الجامعات والمعاهد الإسلامية والعربية بعد عودتهم إلى البلاد ليستمروا في سبيل العطاء المعرفي وسيتفيدوا ويفيدوا.
الخاتمة
يأتي هذا الصرح العلمي الكبير في وقت طفحت الحاجة إليها لضمان مستقبل المستعربين وإتاحة فرص علمية ومهنية شتى لهم مع حفظ التجربة السنغالية في فهم الإسلام والتعاون الاجتماعي ونقلها عبر الأبحاث والدراسات إلى الصروح العلمية الأخرى
وأخيرا أقدم أسمى آيات الشكر والتقدير لسماحة الشيخ محمد المنتقى حفظه الله، كوني واحدا من الذين صرخوا في كل الجبهات بضرورة وجود جامعة عربية مهنية، تشفي غليل المستعربين، وحلوا وارتحلوا بهذا المطلب أمام الرئيس والوزارء والسفارات ودور المشائخ الصوفية، ليستجيب به أخيرا سماحته، فجزاه عنا كل خير وحفظ الله ورعاه وأعان أمناءه على المجمع خير إعانة ليحققوا بذلك أهداف الشيخ في التربية والتعليم.
