الحلقة الرابعة من كتاب الدكتور أحمد مختار لوح : منهج الشيخ أحمد الصغير لوح في تدريس القرٱن الكريم للرعيل الأول من تلاميذه،. وترجمة نماذج من أعلام المعهد “

0
159

كتب / محمد الأمين غي .

يواصل كاتبنا القدير في حديثه عن ظروف نشأة معهد كوكي الإسلامي مطلعا على مراحل تطوره السريع من الناحية التعليمية والتربوية .

وقد ركّز أولا على المنهج التعليمي الفريد الذي طبّقه الشيخ المؤسس “رحمه الله” على الرعيل الأول من تلاميذه وعلى طليعتهم الحافظ الأول ابن شيخه “سرين شام امبي” والذي بدأ دراسته القرٱنية مبكرا في مدرسة قرٱنية في لوغا، إلى حين إتمام خَتَمته الأولى، فنُقل إلى كوكي بأمر من والده.

يتمثل هذا المنهج عند الشيخ المؤسس حسبما أوضحه كاتبنا ، وهو البدء بتعليم الدارسين كتاب الله بشكل مرحلي متدرج وفق طريقة السلالم، من التهجي إلى حفظ قِصار السور، وحتى الانتهاء من الخَتَمة الأولى الخاصة بالجزء الثاني (من مريم إلى الناس مع مراجعة هذا الجزء لتثبيت وتقوية الحفظ، مع مراعاة أحكام التجويد ) ، وبعدها ينتقل الطالب إلى الجزء الأعلى من الكهف حتى البقرة ، ثم المراجعة النهائية بعد الختمة الثانية، وأخيرا تسميع القرٱن كاملا على الشيخ نفسه أو أحد مندوبه.

يشير كاتبنا القدير إلى أن هذا المنهج رغم شيوعه حاليا في أوساط التعليم القرٱني ؛ إلا أنّ الشّيخَ المؤسس كان فريدا ونادرا في وقته، وحينما طبّقه على ابن شيخه أتّم حفظه من جديد، واستغرب الأخير لأنه كان يعتقد أنه حافظ متقن ، لاكن الحفظ الثاني بهذه الطريقة المثلى جعله يتمكن من تثبيته… (الرواية بالكامل ص 160 من الكتاب ) .

كما أوضح أن هذا المنهج المتفرد المقتصر للجهد والوقت والمال؛ كان السبب الرئيس في إقبال الناس الكبير على الالتحاق بمدرسة “كوكي” للتحفيظ ، وهو فن إبداعي في التربية والتكوين خلافا عن المناهج التعليمية المعروفة في مدارس قرٱنية أخرى.

ومن التعليمات التي نفذّها الشيخ المؤسس عن سميّه وشيخه، مجانيّة التّعليم والخدمات، حيث لم يقبل أبدا أخذ الأجرة من أي واحد من طلبة المعهد، على الرغم من ركود اقتصادي عاش فيه خلال سنوات عديدة، لاكنه أثبت زارعيّة الحقول أثناء الإجازات لتطبيق ما يعرف اليوم عن “الاكتفاء الذاتي بالغذاء والمعيشة ” منعا من ممارسة طلابه التسوّل.

ومما يتميز به الشيخ المؤسس، تطبيف اللاّتَمَايُزُ العِرْقِيّ والطَّبَقِيُّ والجِنْسِيُّ المُطَبَّق في كُتّاب كوكي، وكما أشاره كاتبنا، تَبَنَّى لجميع تلاميذه المساواة الاجتماعية مما قد لا يُميّز بين الطلبة وخِصِّيصا من يسمون بأبناء السيدات “Doomi soxna ” على الطبقة السفلى والتسوية بينهم في المعاملات والمساعدات، واشتهر على لسانه عبارة : “دع تصوّراتك الطائفيّة في بوابة المعهد، وتخل عنها طيلة إقامتك في رحابه ” .

ولذلك، كان هذا المعهد العتيق ملجأ للمواطنين السنغاليين في ربوع البلاد وخارجها، وخصوصا أبناء المشايخ والزعامات الدينية وغيرهم مِنْ مَنْ درسوا القرٱن الكريم على يديه في كوكي ، بالإضافة إلى تزويدهم بالعلوم الشرعية وإتاحة فرص مواصلة دراستهم على النظام الحكومي المعتمد بفضل جهود خريجي المعهد من الجيل الأول “أمثال الشيخ محمد مبارك لوح مؤسِّس مدرسة منار الهدى، والشيخ محمد لوح كوتياري ” هدا الأخير الذي يعتبر أول من أدخل دراسة اللغة الفرنسية والعلوم الاجتماعية، والحساب والهندسة في البرنامج العام للمعهد؛ الأمر الذي ساعد جيل الستينات ومن جاء بعدهم على المشاركة بتفوّق وتميز في المسابقات الوطنية الحكومية، والالتحاق بأرقى الجامعات في العالم.

هذا، ويقف كاتبنا القدير على البرامج التعليمية في المعهد بعد حفظ الطالب القرٱن الكريم ومتابعة دراسة التعليم العربي الإسلامي المزدوج مع النظام الفرنسي الحكومي، مما قد ساهم بشكل كبير على تفوق المعهد وتميزه على مستوى البلاد، و بجهود خرّيجي المعهد اللّذين أبلوا بلاءً حسناً، للحصول على نتائج باهرة جدا في الامتحانات الوطنية السنوية ، وقد تم تصنيف هذا المعهد رسميا ضمن إحدى أرقى المؤسسات التعليمية الوطنية عام 2016 من طرف إدارة مصلحة الباكالوريا بجامعة دكار.

في ختام الفصل الثالث من الكتاب، يتناول الكاتب تراجم الرعيل الأول من تلاميذ الشيخ أحمد الصغير لوح وأهم انجازاتهم نذكرهم باختصار :

1- المرحوم الدكتور سرين شام امبي (1998-1922) محاضر جامعي ومترجم كبير، حاصل على الإجازة الجامعية “الليسانس” في الٱداب العربية وأخرى في الٱداب الفرنسية، وثالثة في اللغة الانجليزية، والماجستير، والدكتوراه في الٱداب العربية.

2- الشيخ أحمد المبارك لوح (2016-1928) أحد قدماء المعهد ، والذي تولّى التدريس من نهاية الأربعينات إلى بداية الستينات ، ثم خلفه الشيخ مختار نار لوح المدير العام الحالي ، وحينئذ تفرّغ عن المعهد، لتأسيس مؤسّسة مدارس منار الهدى الإسلامية في لوغا منذ عام 1962 .

3- السفير الأسبق محمد جوف (حفظه الله ورعاه وأمدّه بالصحة والعافية) خرّيج جامعة “الجزائر” بعد جولات وصولات في العديد من البلدان العربية كالمغرب ،تونس، ليبيا ومصر… وبعد العودة إلى البلاد كان ضمن المستعربين الأوائل الذين التحقوا إلى المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء “ENAM” وتخرج فيها سنة 1976م برتبة مستشار أول في الديبلوماسية .
و من جانب مهنته، عمل الأستاذ جوف “مستشارا أولا للسفارة السنغالية في بغداد “العراق” ، ثم واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي نواكشوط وتونس وهي المحطة الأخيرة لعمله الرسمي في الديبلوماسية… بعد تقاعده بسنوات عينه الرئيس الأسبق عبد الله واد سفيرا لدولة السنغال في ليبيا في فترة 2001 إلى عام 2004 .
كان أستاذا مساعدا في كلية الدعوة الإسلامية فرع السنغال “بير” ،و إلى جانب أعماله العلمية ومؤلفاته نذكر مايلي :
-تاريخ المدارس القرآنية في السنغال.
-أعلام الهدى في غرب أفريقيا .
-الفرائض في أزمة قضائية.
يُذكر، أن الشيخ السفير اليوم يقدّم دروسا في مجلس علمي لتدريس الفرائض وتفسير القرٱن الكريم في برجي من ضواحي العاصمة دكار.

4- الشيخ مدكي سك (2015-1940) حفيد الشيخ مام أمر انداك سيك في تينيبا كجور بمقاطعة كبيمير في لوغا، عالم ومحاضر كبير ومفسر بليغ، الشهير بعبارة “صاحب القرٱن الكريم” لاهتمامه الكبير على القرٱن الكريم وعلومه من حيث التفسير والاستدلال والاستشهاد بٱياته ومعانيه.

5- البروفيسور عبد الوهاب اندو (1994-1946) حاصل على الإجازة في الٱداب بجامعة بغداد (العراق) والماجستير في اللغة الألمانية في ألمانيا ثم الدكتوراه في جامعة السوربون 8 بفرنسا سنة 1986 بأطروحة عنوانها : “تعليم اللغة الألمانية في أفريقيا السوداء : دراسة مقارنة ” .
بعد عودته إلى البلاد، عمل محاضرا فأستاذا مساعدا بقسم اللغة الألمانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دكار إلى حين وفاته رحمه الله وغفر له.

6- الأستاذ أحمد لوح كوتياري (رحمه الله وغفر له) يعتبر هذا الشيخ المرحوم أول من أحدث تغييرات شبه جذرية وتطورات ملموسة في المنهج وطريقة التدريس في معهد كوكي الإسلامي منذ عام 1964 ، عُيّن مدرسا للغة العربية في كبمير سنة 1970 بعد 3 سنوات من التكوين في دار المعلمين بدكار وفي تونس، حاصل على الليسانس والماجستير في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دكار سنة 1978 ، ثم شهادة الكفاءة للتعليم الثانوي من المدرسة العليا التابعة للجامعة (فاستيف) ثم أستاذا في ثانوية جون كينيدي للبنات بكلوبان… وأخيرا، ارتحل إلى فرنسا سنة 1982 لمتابعة الدراسة حرصا له على محاربة التهميش والظلم اللذين كان يعانيهما جيله من خريجي التعليم العربي الإسلامي في السنغال ، حيث نال لاحقا على شهادة الكفاءة المهنية للتعليم الثانوي (CAPES) …
بعد عودته إلى البلاد ، واصل عمله في التعليم الثانوي في ثانوية لِمَامُ لاَيْ بغيجواي من ضواحي العاصمة دكار، ثم أستاذا مكونا في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة (فاستيف) إلى حين وفاته سنة 1991 .
ومن ٱثاره العلمية وأعماله الجبارة :
ترجمة كتاب “تزود الصغار” للشيخ أحمد بمب امباكي إلى اللغة الفرنسية، وهي في الأصل رسالة ماجيستر في الٱداب نوقش في جامعة دكار، بالإضافة إلى عشرات المقالات والتقارير المكتوبة بالعربية والفرنسية .
هذا ، ويعتبر المرحوم “أحمد لوح كوتياري” المؤسس الفعلي لجمعية خريجي معهد كوكي الإسلامي منذ عام 1980 ، وواضع فلسفتها وخطوطها العريضة بالتعاون مع عدد من خريجي هذا المعهد العريق.

من هنا نضرب لكم موعدا نهائيا نتطرق فيه إلى الفصل الأخير من الكتاب ، والذي يتناول حياة الشيخ أحمد الصغير لوح من حيث التربية والدعوة، معتمدا على روايات وشهود عيّان على من عاشوا معه خلال عقد من الزمن.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici