الحلقة الثالثة من كتاب الدكتور أحمد مختار لوح “العلاقة الإنسانية بين الشيخين الكبير والصغير وظروف نشأة معهد كوكي الإسلامي ” .

0
110

كتب / محمد الأمين غي.

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة الأنفال .
انطلاقاً من هذه الٱية الكريمة التي قرأها مام شيخ امبي الكبير على سميّه وابنه المفضّل أحمد الصغير لوح حين أمره بتنفيذ مهمة أنبياء الله وأولياءه وهي تعليم كتاب الله لأبناء المسلمين وتربيتهم على نهج صراط الله المستقيم، نباشر معكم التطرق إلى حلقة جديدة من محطات مسيرة مؤسس مدرسة كوكي الحديثة.

قد يتساءل أحدكم لماذا اختيار هذه الٱية وما تضمنها من مواجهة الأعداء من حيث المؤامرة والمكر كوصية لشخصية يتوجه إلى مدينة أجداده وبني جلدته وهي مدينة كوكي العريقة حيث سكانها ومقيموها هم أصول الشيخ أحمد الصغير لوح من حيث النسب، لاكن الجواب حتما سيأتي في وقته.

في الحلقة الثالثة من كتابه، يتناول الدكتور أحمد مختار لوح ظروف نشأة مدرسة كوكي الحديثة ومراحل تطورها وتخريج الجيل الأول من أعلام هذا المعهد العريق وترجمة حياتهم وإنجازاتهم في البلاد.

هذا المعهد العريق الذي نشأ مع إعلان الحرب العالمية الثانية في أوروبا بأيام قليلة وسط أجواء مليئة بالأحداث المثيرة للاهتمام في العالم، تأسس المعهد بفضل العالم العابد الورع الزاهد الذي جمع بين الأصالة والحداثة في عصره وهو الشيخ أحمد الصغير امبي الملقب بالكبير والد الدكتور سرين شام امبي ورجل الأعمال باي جيل امبي. (راجع ترجمة حياته من ص 135 إلى 151من الكتاب ) .

العلاقة التي تربط الشيخ أحمد الكبير امبي بسميّه الشيخ أحمد الصغير لوح تعود إلى ماقبل ميلاد الأخير بسنين، كما وضحها كاتبنا القدير تمتد جذورها إلى أواصر الرحم والصداقة التي جمعها مع الشيخ انجاي أنت سيلا لوح وهي علاقة مبنية على وحدة الهدف والمصير المشترك، ووحدة المرجعية الدينية الروحية والتربوية فذلك سبب هذه التسمية والتكليف برعايته وتأطيره.

كان الشيخ محمد الكبير امبي كما ورد في ترجمته يعتبر سميّه الشيخ أحمد الصغير لوح ابنا بارّا من صلبه ومطيعا له، فلذلك عمل على رعايته الكريمة من حيث التوجيه والإرشاد والتسديد والتأطير خلال مرحلة الدراسة، ولرغبته أن يتبوأ سميّه يوما ما مكانا مرموقا في مجال العلم والتربية، استشاره بفراق الأم والزوجة والأشقاء إلى رحلة علمية يجوب فيها المراكز التعليمية في السنغال ليكتشف من خلالها خبرات وتجارب الٱخرين لاسيما طبقة المشيخة.

نقل كاتبنا القدير من والده في حكاية له عن هذه الرعاية الطيبة أن السيدة “مام فات جاه” والدة الشيخ أحمد الصغير لوح جاءت إلى الشيخ أحمد الكبير امبي ذات يوم، تشكو إليه طول غربة ابنها، وكثرة رحلاته العلمية التي كادت تقطع كل أواصر الصلة بينه وبين العائلة؛ فرد عليها ردا مقنعا، وناشدها بالصبر الجميل مذكرا إياها بما يحمله على عاتقه من همة عالية ورسالة نبيلة في سبيل خدمة العلم وأهله، وأنه سيعود -بإذن الله – مظفرا ، كعادة كل المغتربين من أجل معالي الأمور وغاليها” .

بعد هذه الرحلات العلمية الشاقة من حيث المكان والزمان، يقف كاتبنا على ظروف نشأة معهد كوكي الإسلامي في عام 1939 ، وهي بالفعل يناسب ليلة احتفالية المولد النبوي الشريف في ولادة سيد الكونين والثقلين سيدنا محمد “صلى الله عليه وٱله وسلم”، لكن الشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله ترك كل هذه الأجواء الروحية لتنفيذ أوامر شيخه وولي أموره والتوجه نحو “اندالا ” ليستقر فيها مدة وجيزة وأخيرا إلى “كوكي” .

هذه المدينة التي اتسعت على مراحل عبر تاريخها، ويصل عدد سكانها اليوم حوالي 9110 نسمة، و يضم “معهد كوكي الإسلامي” وهو مركز علميّ عتيق يحتوي حاليا أكثر من 4000 طالبا وطالبة يدرسون القرٱن الكريم مجّانا، بالإضافة إلى تخريجه أعلاما كبارا برزوا في مجال العلم .

ولدى وصوله إلى هذه القرية، حلّ الشيخ المؤسس ضيفا على سرين مَدِبُّ جوب الذي تربط بينهما علاقة متينة تعود إلى أجدادهما الشيخ مختار نار لوح والشيخ مختار نمب جوب، وكان هذا المضيف من خصّص له قطعة أرض له جهة الجنوب الغربي حيث مكث هناك 49 عاما لخدمة كتاب الله العزيز وتربية أبناء المسلمين إلى غاية رحيله إلى الرفيق الأعلى يوم الأربعاء الموافق ل 30 مارس 1988 .

نقل كاتبنا في هذا الموقف حكاية عن الشيخ أحمد الصغير لوح (رحمه الله ) يقول : “كان قد أقيم في هذا المكان كوخ خشبي، يعيش فيه رجل منفردا بمنعزل عن الناس وكان الاعتقاد السائد أنه مصاب بالجنون، وحين رٱني قال : (أما الٱن فقد وصل صاحب المكان )؛ ذلك أني أسمعه دويا عاليا وأصواتا من الجهات المحيطة بي ” ..
هذه القصة كان يحكيها الشيخ المؤسس ويرددها لطلابه لكن في كل مرة، يسكت لمدة ثواني؛ مغطيا وجهه بردائه، يبدي تعجبه من الرجل ثم يردف قائلا بالولفية “xamuma kooke ban xeet la ” .🤔 (القصة بالكامل واردة في كتاب “من رواد التعليم العربي الإسلامي للدكتور جيم درامي ص147 ) .

جاء التوقيت لبيان سبب ذكر الٱية المذكورة في أعلى الورقة، حيث يتحدث كاتبنا القدير عن الظروف المعيشية المحاطة بالشيخ أحمد الصغير لوح أيام تأسيس مركز علمي في منطقة انجامبور ، حيث باشر هذه المهمة بصمود وبإيمان خالص رغم ما يعانيها من العقبات والتحديات التي يمتحن بها الله سبحانه تعالى على عبده .

حيال ذلك، عاش الشيخ أحمد الصغير لوح بصعوبات منها معوقات الكيد والمكر على أيدي السلاطين (المستعمرين) أمام عراقيل ناجمة عن ابتلاء الله ومنها ما يلي حسب ما ذكره كاتبنا القدير بالتسلسل :

-وفاة ابن أخته التي رافقه خلال تأسيس المدرسة بعد فترة وجيزة.
-غرق عدد من الدفعة الأولى من تلاميذه في إحدى برك الماء قرب المدرسة أثناء استحمامهم هناك.
-سلسلة الحرائق التي تعرضت لها المدرسة منذ تأسيسها إلى بداية السبعينات.
-الظروف المعيشية الصعبة التي تحّملها الشيخ المؤسس نفسه، في فترة تاريخية حرجة جدا، تزامنت مع اندلاع الحرب العالميّة الثّانية.
-معاناة نفسيّة أخرى ناجمة من جعل المحيط بالمشروع الحضاري الإسلاميّ الكبير الذي يحمله على عاتقه نيابة عن الرسل- عليهم السلام – وحواريّيهم ..
-مكائد وحيل ودسائس تدبر في الخفاء والعلن لإفشال هذا المشروع التربوي الإنقاذي العظيم، ويتمثل جلها في القرارات والإجراءات الإدارية التي اتخذتها السلطات الاستعمارية في تلك المرحلة .

وقد وقف كاتبنا القدير بحدّة على هذه الظروف موضحا صبر الشيخ المؤسس وصموده و قناعته بأن نور الله لن ينطفئ أبدا.

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) سورة التوبة…

هذا، ونضرب لكم موعدا قريبا عن مراحل تطور الدراسة في المعهد وأبرز أعلامه الذين تناولهم الكاتب ضمن الفصل الثالث.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici