التعليم المجلسي ..مواطن القوة ،ومكامن الضعف.

0
55

الحاج فاضل سيك

مفتش التعليم العربي
مدير الدراسات في قسم
المجالس التابع لمجمع
الشيخ أحمد الخديم.

ظهر لفظ المجالس كمصطلح فرضه السياق المكاني الذي ظهر فيه حاملا عبر طياته الظروف التي يتم بها التعليم متجسدة في صورة شيخ معلم يجلس مع المتعلم في حُصُر وسجَّادات في مسرح العمليات التعليمية التعلمية.
وتعني بنية تعليمية تستقبل المتعلمين غالبا بعد الحفظ بهدف إعدادهم لتعلم العلوم الشرعية واللغوية، وتلقي التربية الدينية وإكسابهم الكفاءات اللازمة.
ويعد هذا النوع من التعليم المجلسي أحد نماذج التعليم الأكثر عراقة وأصالة في الساحة التربوية في السنغال بصفته أحد الأبواب المهمة في الحفاظ على هوية المجتمع وثوابته الدينية، وتراثه العلمي والحضاري منذ دخول الإسلام في هذه البلاد، فيه تخرجت كفاءات وأطر وطنية مؤهلة علميًّا وتربويًّا ساهمت على مر التاريخ في البناء الفكري والحضاري للبلاد. ويحظى لحد الآن بثقة شريحة كبيرة من المجتمع لا ترضى عنه بديلا في تربية وتعليم أبنائها، مما يبرر تعايشه بكل جدارة مع النظم التعليمية العربية الفرنسية المعاصرة.
يتمثل هدفنا في هذا المقال في تسليط الضوء على المكانة التي يتمتع بها هذا الحقل التربوي في خريطة التعليم الوطني، وعلى نقاط القوة الإيجابية التي تميزه عن غيره، من النظم التعليمية الأخرى قبل التعرض لجوانب القصور، التي تعرقل مساره، وتقلل من فعاليته، ونجاعته.
من العادات النبيلة أن التلاميذ بعد حفظ القرآن في المدارس القرآنية ــــ التي تنحصر وظيفتها على تعليم القراءة والكتابة، وتحفيظ النص القرآني ــــ؛ يرتادون المجالس العلمية لمواصلة دراساتهم الإسلامية، وتكريس تربيتهم الدينية ردحا من الزمن.
ولهذا التعليم ميزات إيجابية يمكن الإشارة إلى بعضها في النقاط الآتية:
مجانية التعليم: رغم أن مؤسسات هذا التعليم لا تستفيد من الميزانية العامة المخصصة للتربية والتعليم في البلاد لا من الدولة، ولا من البلديات، أو المجالس الإقليمية، فإن التعليم فيها يتم بالمجان، فليست هناك أية رسوم شهرية يتكفلها المتعلم أو أولياؤه مقابل ما يتعلمه في الغالب.
سهولة القبول والاندماج: فهذا التعليم ينتشر في المساجد والجوامع عادة، ويستوعب أعدادا مهمة من المتعلمين من مختلف الأعمار بحيث يمكن لكل من هب ودب أن ينخرط في صفوفه دون أية إجراءات قبول أو تسجيل، ومن المفارقات العجيبة أنه يمكن أن يتعلم التلميذ في أحد المجالس عدة سنوات دون أن يعرفه شيخ المجلس.
روحانية البرامج والمناهج: فهذا التعليم يستهدف إلى تكوين علماء شرعيين ولغويين يجمعون بين التحقق من مسائل فروع المعرفة الشرعية، والتخلق بآدابها، ومقتضياتها والتسلح بالآلات اللغوية دون الأخذ في الاعتبار سوق العمل، لذلك لا تهتم كثيرا في منح المتخرجين فيها شهادات أكاديمية، يطرقون بواسطتها أبواب التوظيف والاحتراف.
التعمق في علوم التراث، فالتعليم في المجالس يقوم بالدرجة الأولى على التعمق في علوم التراث الدينية واللغوية فالمتعلم يقوم بحفظ أشهر المتون، واستقصاء أمهات الكتب في مختلف العلوم عبر مقاربات تعليمية تتمثل بتلقي الكتاب المقرر من ألفه إلى يائه بالسرد والشرح من الشيخ المعلم.
لعلك القارئ الكريم تقف معي على الزخم الذي يتمتع به التعليم المجلسي بصفته يسد فراغا، ويردم ثغرة في المنظومة التعليمية الوطنية ، ولكن هل هذا يعني أنه يخلو من صعوبات او لايعتوره ضعف أو خور في جانب من جوانبه؟
الواقع أن المجالس التعليمية المنتشرة في البلاد لا تزال تحافظ على طبيعتها التقليدية وصورتها العتيقة في برامجها، وطرق تعليمها، في تجاهل تام عن الاستفادة من المستجدات التربوية التي توصلت إليها الدراسات التربوية والإنسانية الحديثة، والتي من شأنها أن تثرى المناهج التعليمية، وتحسن العمليات التعليمية التعلمية ,
يمكن إبراز بعض نقاط الضعف التي تعكر صفو هذا النمط التعليمي فيما يلي:
غياب الأهداف : تعتبر الأهداف العامل الأساس في جعل العملية التربوية أكثر تنظيما وعقلانية وبالتالي ذات فعالية وانتاجية أكبر؛ بصفتها منطلق كل العمليات ، بل كل العناصر الأخرى تخدم هذه الأهداف وتسعى لتحقيقها، مع الأسف فالمجالس العلمية تركز على مقررات ومحتويات دون أن تضع لها أهدافا واضحة في أذهان المتعلمين لذلك يلاحظ أن سلوكياتهم لا تتعدل في الغالب وفق ما يتعلمون ، ولا يوظفون المكتسبات توظيفا عمليا.
القصور المنهجي: المقررات والمحتويات المعتمدة في المجالس في معظمها مختصرا ت ومنظومات في اللغة والشريعة، إضافة إلى ذلك غياب المواد العلمية والإنسانية من أدبياتها ومفردات منهجها؛ مما يسبب للمتعلمين بالضرورة ضيق الأفق، والقصور الفكري ، وقلة الرصيد المعرفي علما بأن المثقف الجدير بالاسم يأخذ من كل علم بطرف كما يقول ابن خلدون.
طرق التدريس: الطريقة البيداغوجية هي العمليات المنفذة من طرف المدرس في علاقته بتقديم المحتويات قصد تحقيق أهداف معية بمعية التلاميذ
رغم أن أساليب التدريس السائدة في المجالس تتخذ أشكالا مختلفة غير أنها كلها طريقة تندرج ضمن ما يصطلح عليها بالطريقة الالقائية مطبقة بأسوأ صورها حيث “تعتمد على الترجمة الحرفية المتكلفة للمفردات والتراكيب اللغوية في غياب العناية بالمعاني، ودلالات التراكيب
مضافة إليها أن المواد اللغوية تدرس نظريا بعيدة عن الممارسة والتطبيق.
غياب عملية التقويم: يعرف التقويم بأنه عملية للحكم على مدى نجاح الأعمال والمشروعات وهو وسيلة للتشخيص والعلاج؛ تسبق العملية التعليمية التعلمية وتصاحبها، وتعقبها وتساعد على تحسينها، والرفع من جودتها ومردوديتها. يلاحظ أن التقويم بمختلف مستوياته منعدم تماما في المجالس لذا من الصعب جدا الوقوف على الحصيلة النهائية للمتعلمين من كفاءات وقدرات ومعارف ….
لعل صفحات هذا المقال المقتضب لا تتسع لاستقصاء جوانب هذا الموضوع العملاق، وإشباعه بحثا ودراسة وذلك لثرائه وعمقه، بل وتعقده لأن التعليم المجلسي شأنه شأن كل نظام تعليمي له جوانب مشرقة في حاجة إلى التنمية والتطوير، وأخرى معتمة قاتمة يجب معالجتها
لذا نريد أن نختتم هذا المقال بجملة من التوصيات والاقتراحات قد تساهم في رفع التحديات أمام هذا النظام التعليمي العريق؛ وتتلخص فيما يلي:
✓ المحافظة على نقاط القوة الإيجابية التي أشرنا إلى بعضها والتي تميز كيانه عن غيره، من النظم التعليمية المعاصرة،
✓ دمج المواد العلمية والإنسانية إلى مقرراتها جنبا إلى جنب مع المواد الشرعية واللغوية.
✓ الاستفادة من المستجدات التربوية التي توصلت إليها الدراسات التربوية والإنسانية الحديثة في مجال التخطيط، وإدارة الفصل، والتقويم.
✓ تأهيل المعلمين، وتزويدهم بخبرات مهنية ومواد ذات صلة مباشرة بعملية التعليم التي تمكنهم من أداء مهامهم التعليمية بشكل أفضل، وتحقيق مردود أكبر بأقل جهد.
✓ ربط دراسة المواد اللغوية بالممارسة والتطبيق علما بأن اللغة وأية لغة تكتسب بالدربة والمران.
هذا وبالله التوفيق.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici