مقال / الطُّرقُ الصوفية في السنغال تَستثْمرُ أو تَستهلك؟

0
427

بقلم شعيبُ بن حامد لوح.

تُعَدُّ السنغال من الدول التي تنتمي أغلبيةُ المسلمين فيها إلى طرق صوفية بما فيها القادرية والتِّجانية والمريدية… الأمر الذي ينعكس آثاره على مختلف الميادين الحياتيَّة في هذا البلدِ. وتجدرُ الإشارة إلى الدور الرِّيادي الذي أدَّته هذه الطرقُ في استقرار الإسلام وبَلْوَرة تعاليمه وتبييض وجهه في السنغال ما لا يترك مجالاً للشك.
فقد كان التصوف أداة سخَّرها أصحابها لنشر الدين الإسلامي، ورَكبوا في ذلك صعابا، واستعملوا للوصول إلى هذا الهدف ذرائعَ نبيلة، حتى كثُرت المساجد والجوامع والمدارس القرآنية والمحاظر العلمية التي أنشأها مُؤسسو هذه الطرق في كل أنحاء البلاد من فوتا تُورو وكجور وانجامبور وسين-سالُم وبَوَل… كان القصد منها تسهيل العلوم الشرعية واللغوية وما يُصاحب ذلك من أدوات تساعد على فهم مُراد الشارع.
اتَّخذ المؤسسون الأوائل التصوف سلاحا قاوموا به الاستعمار الغاشم والعدو الظالم، كل حسب ما سمحت له إمكاناته، مما فرضه الزمن عليه. فالمُهم أن لكل منهم مبادرةً قدمها للصدَّ عن الضيف الجائر الغير المُرحَّب به، والذي حاول طَمس هُويتنا، ومحو ثقافتنا، واستبدال قِيَمه بقيمنا، وحَضارته بحضارتنا.
فظهر إذا أنهم مهَّدوا الطريق ورَسموا المنهج لمن يأتي بعدُ، فنحن بدورنا علينا أن نتساءل هل حقا استثمرنا تعاليم المُؤسسين وأخذناها منطلقا لمعالجة ما استجدَّ في الواقع من مشاكل أفرزها عصرنا؟ أم مازلنا في طور استهلاك هذه التعاليم بإبداء الخوارق والكرامات لمآرب مادية بحتة؟
مهما يكن من أمر فإن المصدر الأول للملسمين وهو كتاب الله يُخاطب كلاًّ منا في كل لحظة لَمَّا يقول: {تلك أمة قد خَلتْ لها ما كَسبتْ ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعْملُون} (البقرة: 133)، ووضوح الآية تغنينا عن التعليق عليها.
على أي طريقة من الطرق الصوفية في السنغال أن تستيقن أن المسؤولية المنوطة على عاتقها لن تتحقق إلا بأمرين اثنين، بيَّنها قديما العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه “إعلامُ المُوقِّعين عن رب العالمين” وهما: “فهم الواقع، وفهم الواجب في الواقع”.
ولن يتم هذان الفهْمان إلا حين ندرك أن المتصوف بالمفهوم الصحيح لم يكن أبدا من يعيش في بُرج عاجي منعزلا من العباد والبلاد، بل هو الذي يشارك شعبه همومه، ولذلك فهو بدوره: *
1- يُصحِّح اعوِجاجات. 2- ويُقَدِّم مُقترحات. 3- ويُقَوِّم مُنجزات.
علماً بأن هذه الثلاثية لم تكن موجهة للرعية فحسب، وإنما تعدوه حتى يصل إلى الحاكم ومساعديه؛ إسهاما منهم في نفع البلاد والعباد، ومعذرة إلى ربهم.
فالطرق الصوفية في السنغال لها في الوزن ثِقل لا يُنكر، لكن يبدو أنها لم تستثمر الاستثمار الحقيقي لهذا الوزن، ولم تغتنم كما ينبغي قوتها النافذة، فالوَعيُ الحقيقي لثِقلها يستلزم السعي إلى تجنيد الكوادر والعلماء وتوحيد جَبهتهم، وذلك عبر تكوين هيئة أو جمعية تجمع شَتات ما تفرق من عقلاء الطرق الصوفية تهتم بمشكلات وسؤالات العصر دينا ودنيا، وإلا تفعلوه تتسع دائرةُ المصالح الشخصية والآنية، وتُفقد المصالح المشتركة والعامة التي باستطاعة هذه الطرق تقديمها ليس للمُسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، فقد تواتَر لدى القوم أن المَوسوم بالتصوف هو الذي خلا قلبه من الضغائن والدَّفائن، نَقيًّا من الأدران، مبتعدا عن حظوظ النفس، يؤثر رضى الله الأكبر على كل شيء، ينفع خلق الله ولا يريد منهم جزاء ولا شُكورا.
إن أريدُ إلا الاصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقيَ إلا بالله.

                  صَفر 1445 هجرية.
               سبتمبر 2023 ميلادية.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici