مقال / و يسألونك عن ثامنَ عشر من شهر صفرْ!!!

0
234

إنه يومٌ وافق السبت 18 صفر سنة (1313 هـ -1895م) خرج حاملُ لواء التجديد وناصر السنة وحَامي حظيرة الشريعة في دِيار السنغال، الشيخ أحمد بامبا الشهير بخادم الرسول من داره “امباكي بَارِي Mbàkke Baari” في سفر يهدف فيه خدمة الرسول ﷺ، بعد وِشاية قام بها مَن رأوا في مشروعه خَطرا يهدِّد مصلحتَهم الآنية، ويبدِّد أحلامهم، ويفسد أمانيهم.


الأمر الذي أدَّى إلى إطلاق حكم جائر عليه، وخرج مظلوما إلا أنه رأى في خروجه ذلك منحةً ونعمة، يعود نفعُهما لجميع المسلمين تأتيان بعد مِحنة ونقمة سيتحمَّلهما دون قومه. مرَّ بأماكنَ شتَّى وديار متفرقة لاقَى في كل منها صُنوفا من الاضطهاد وألوانا من العذاب لن تقف أمامها الجبالُ الرَّواسي، جعل شعاره الصبر والرضى والتوكل على الحيِّ الذي لا يموت، واتخذ من سِير الأنبياء أسوة، ومن حياة الأولياء والصالحين قدوة متبعة.
ولم يعرف التأوُّه سبيلا إليه في كل بلاءٍ ينزل عليه، ولم يقم بالشكوى ولم يحُك الجلدَ ظفرُه، لم تمنعه مشقةُ السفر عن واجب الجهاد لأعداء الله بقلمه ولسانه، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الانخراطِ في سلك الإسلام.
لا يمُر يوم إلا وكان الذي تلاه أشد وأظلم من سابقه، يستمر في مناجاته ربه وفي كتابته تآليف فاق حسنها اللؤلؤَ والمرجان، فيها كل أنواع العبادات التي أكَّدها القرآن والسنة من ذكر وشكر وصلاة وابتهال ودعاء…
فعلَ المُستعمِر المستحيل كي يتراجع عن موقفه، أو يُلاينهم، مستعمِلين في ذلك تارة طريقة السِّلم وأحيانا أخرى طريقة القهر والإذلال وهو متشبِّثٌ على مبادئه، لا يتوانى عنها ولا يتركها قيد أنملة مع إيمان لا يتزعزع أبدا.
ثم لما وَقفوا -بعد أن عَجَموا عودَه- على حقيقته وأصالة طُموحه ووضوح هدفه ووُفور عقله وصفو باطنه وثبات ركنه أيِسوا منه وأعادوه إلى مَسقط رأسه بخُفَّيْ حُنين.
لم يُسيطر على قلبه التشفِّي ولا الانتقامُ، ولم يتذكَّر قسوةَ أيامه في أيديهم، بل كان أنيسُه هديَ وسيلته ﷺ في العَفو والصفح والحِلم، وصرَّح على وجوههم قائلا:
عفوتُ عن الأعداء طرًّا لوجهِ مَن = نفاهم لغيري سرمدا لستُ أدفعُ
ما ذا بعد النصر؟


بعد جهادٍ ومعاناة داما ما يقربُ ثماني حِجج إلا قليلاً في أيدي قوم غلظتْ قلوبهم وتوحَّشت طِباعهم، خرج شيخنا منتصرا انتصارا بيِّنا ولم يُصبه داءُ الافتخار والزَّهو، بل ندبَ نفسه لشكر ربه في نعمه التي أوتيَها من هذا السفر. ونظرا لنيته الحسنة وقصده نفع الناس ندب منهم أن يقوموا معه بواجب الشكر لهذه الآلاء من المُنعم، قال في أبيات متفرقة:
حَاوَلْتُ شُكْرَ اللهِ في تُرَابِي = بَعْدَ جَمِيلِ الصَّبْرِ في اغْتِرَابِي
شُكْرُ إلَهِي حَانَ في تُرَابِي = بَعْدَ جَمِيلِ الصَّبْرِ في اغْتِرَابِي
جَاءَتْنِيَ الخَيْرَاتُ في اغْتِرَابِي = فَحَانَ شُكْرِيَ لَدَى تُرَابِي
نويتُ شُكْركَ في ذَا اليومِ يا صَمدِي = يا اللهُ ذا العَين قبل الراء والشِّينِ
ثم إن وظيفة المُريد في هذا اليوم تتلخص في: الشكر والعبادة والقِرى.

              *شعيب بن حامد لوح* 
                   صفر 1445 هجرية.
               سبتمبر 2023 ميلادية.

مغال مبارك لكم جميعا.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici