مقال : التخلص من السيستم السياسي الموروث ضرورة عصرية   

0
328

بقلم/ المفكر الإسلامي الأستاذ محمد غالاي انجاي –بروكسل

مدير معهد المحراب الإسلامي – بروكسل

لا ريبة في أن الدكتاتور الفاشل ماكي سال الذي ديدنه المؤامرة والمكر والخداع والغدر، وذلك منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2012م، لا يستحق بالمرة أن يُصفق له ولا أن تُعزف الأوتار تمجيدا لموقف سياسي اتخذه تحت ضغط شديد من قبل الشعب وتحت إكراهات مؤسساتية دولية انتصبت أمامه، لا مهرب ولا منجى منها. وهذا الموقف هو ما أعلنه في خطابه الموجه إلى الشعب السنغالي يوم 03 يوليو 2023م بأنه انسحب وتنازل عن الترشح لرئاسيات عام 2024م، مع العلم أن له الحق الشرعي في ذلك على حد زعمه. فالرئيس مع الأسف الشديد لم يتبن هذا الموقف عن اختيار حر وطيب نفس، بل كان مجبرا على ذلك كما سنبين. ومن هذا المنطلق يتحتم علينا من زاوية أن نقرأ هذا الموقف القسري الاضطراري قراءة واعية بربطه بما سبقته من مواقف سياسية اتخذها لتنحية وإقصاء كل معارض سياسي ذي قيمة وقامة يَحظى بشعبية واسعة لدى الشعب السنغالي، ومن زاوية أخرى نربطه أيضابالمستقبل السياسي للزعيم المعارض عثمان سونكو رئيس حزب باستيف الذي – لا بد من ذكره هنا – إليه يرجع الفضل الأكبر لما قام به من توعية شريحة كبيرة من الشعب وإنارة عقولها حتى استطاعت أن تضغط على الرئيس سال وتُجبره على تنصله من الترشح لولاية ثالثة غير شرعية في الانتخابات المزمع عقدها في عام 2024م.كيف يبتهج عاقل من تصرف حاكم أو رئيس له سجل تاريخي مليء بالدماء وحافل بالجرائم البشعة! تلطخت فترة رئاسته بدماء كثير من الأبرياء وزجت في السجون خلالها ما يقارب الألف أو يزيد بتهم مزيفة وملفقة ضدهمظلما وعدوانا! ناهيك عن ألوان التعذيب والتنكيل التي تلقاها بعض هؤلاء السجناء حقدا وحنقا. ينضاف إلى كل ذلك أمور سلبية عديدة منها: تغييره المتعمد والمخطط للتشكيلة الوطنية في سائر أجهزة الدولة في المناصب والوظائف لتوطيد حكمه وإرساء مملكته المزعومة باستخدام العرق الفلاني الذي ينتمي إليه! ومنها أيضا سرقة ونهب أموال الدولة واقتطاع أراضيها التي جاءت فيها تقارير لا تعد ولا تحصى من جهات متخصصةتُدينها! كل ذلك يدفعنا إلى أن نقف أمام عدم ترشحه لولاية ثالثة ريثما نحلله تحليلا موضوعيا علميا. لا شك أننا سنجانب التحليل الصحيح الذي يمكن أن يوصلنا إلى نتائج صائبة وواقعية إذا نحن عزلنا هذا الموقف السياسي – الذي هو سياسي بكل معنى الكلمة – عن باقي الأحداث والمواقف التي سبقته. إن القراءة المعمقة والموضوعية للحوار الوطني -(الذي نعتبره مهزلة ومسخرة حوارية) – الذي دعا إليه الرئيس ماكي سال قبل أن ينسحب عن الترشح لولاية ثالثة تُقدم معطيات مهمة للغاية لكل متابع واع لما يجري على الساحة السياسية منذ حصول السنغال على استقلالها في عام 1960م. إنه لمَّا حشر الرئيس الماكر ونادى في “دار الندوة” أي القصر الرئاسي لم يستجب له إلا أولئك الذين قضوا جميع حياتهم على التغذي بدماء الشعب بنهب أمواله واختلاس ممتلكاته وثرواته، أولئك هم أهل “السيستم” كما يقول سونكو، أي أصحاب النظام الفاسد الموروث الذي لا مناص من التخلص منه نهائيا 2024م. وتأسيسا على ما سبق، يجب أن يعي الشعب ولا سيما الشباب أن النضال بجانب الزعيم سونكو ليس من أجل التخلص من رجل، وإنما من أجل التخلص من نظام، وهو النظامالفاسد الموروث الذي كان ومازال السبب الرئيس في تأخر السنغال، بل وأفريقيا عن ركب الدول التي عرفت التقدم والرقي. في الواقع، إن التخلص من هذا النظام ليس شيئا عويصا أو مُشكلا بحيث يكتنفه الغموض من كل أو من بعض جوانبه، ذلك لأن أصحابه معروفون بأسمائهم وأعيانهم، هم تلك الشرذمة التي لبت دعوة الرئيس لحضور “الحوار الوطني”، حوار كان هدفه الأساسي والأخير هو رفض رياح التغيير الذي نفخه الزعيم سونكو في كيان الشعب فسرى في جميع أوصاله. فهؤلاء الذين لبوا دعوة الرئيس هم فئة فاسدة ولئيمة تَكدح وتجد ليل نهار من أجل إبقاء هذا النظام الذي تبينفساده ووضح وضوح الشمس بطلانه وعدم جدواه ونفعه للشعب السنغالي. لذلك، يتحتم على الشعب والشباب خاصة أن يُكوِّنوا جبهة واحدة، وألا يقبلوا أن يسد ماكيسال وعصابته من السياسيين الباب على وجههمللحيلولة دون هبوب وسريان رياح التغيير المنشود في السنغال، وفي كل ربوع أفريقيا. لذلك، نرجع لنؤكد مجددا أن نضال الشعب هو من أجل التخلص من هذا النظام الفاسد الذي تبنته هذه الفئة القذرة التي امتصت دماء الشعب فوجدت من حلاوتها ولذتها ما تمنعها عن التخلي عنها والصبر عن تذوقها. ولا يغيب عن بال الشعب والشباب خاصة أن المرحلة القادمة هي أكبر، بل أعظم لما تحبل في طياتها من تحديات جسام يفرضها عليهم هذا الموقف السياسي الذي يُضمر أكثر ما يُفشي، إنها مرحلة تضحية وصمود ومقاومة أكثر من ذي قبل أمام غطرسة وعنجهية هذه الفئة التي ألفت التآمر والتخطيط والتدليس والغدر والخيانة والتكتيكات السياسية المنحطة والدنيئة ضد شعبها من أجل مصالح أنانية وفئوية بحتة. والقمين بالتسجيل أيضا هو أن هذه الطبقة الفاسدة والمُفسدة من السياسيين لم يكن هاجسها الرئيس، نعني هدفها الأول والأخير حين اجتمعت في “دار الندوة” أي في القصر الرئاسي إلا الكيد والمؤامرة ضد رجل واحد، هو عثمان سونكو، عسر عليها إقصاؤه عن الحلبة السياسية حتى لا يتمكن من الترشح في رئاسيات عام 2024م. 

ننتقل الآن إلى التهمة التي أسندت إلى الزعيم المعارض عثمان سونكو، أي تهمة “الإفساد للشباب” في قضيته مع الفتاة المدلكة أجي سار التي اتهمته بالتعدي الجنسي عليها والتخويف بالمسدس. في واقع الأمر إنها تهمة مضحكة ومحزنة في آن واحد، هي مضحكة إذا نظرنا إلى القضية من زاوية كيف بدأت وكيف انتهت، نجد أن خطورة الاتهامات الملصقة به وضخامتها، بل وشناعتها، هي بمثابة من يتربص لافتراس جمل أو فِيلٍفيسطو على فأرة أو قطة! وهذه التهمة في حقيقة الأمر ترتد بنا في أعماق التاريخ حيث نجد أنها نفس التهمة التي رميت على كاهل الفيلسوف الأثيني “سقراط”الذي كان يرشد الشباب ويفتح عيونهم ويشحذ عقولهم ويوقظهم ضمائرهم، فبدل أن يُكرَم صَنيعه ويُمجّد عمله، بل ويُفتخر بمثاليته تمت إدانته واستنكار فعله، كأن العادة جارية في المجتمعات المنحطة العارية من الفضائل التي فشت فيها اللاأخلاقية والفساد ودكتاتورية الرأي الواحد على إدانة كل من انبرى لتوعية الشباب وإيقاظهم من سباتهم العميق! لا جرم أن النظر إلى القضية من هذه الزاوية نجدها محزنة جدا. وبناء عليه ندرك أن ما تم الاتفاق عليه وبرمجته في “دار الندوة” على ظهر الشعب هو انقلاب سياسي شنيع ضد إرادة هذا الشعب، وخلاصته: الكل يصلح للترشح في انتخابات عام 2024م إلا سونكو، لأنه المعارض الراديكاليالمبغوض والممقوت الذي رفض خيانة شعبه والغدر به والتفاوض على ظهره! وعليه، فلا بد حتما من سد الباب أمامه وعزله تماما وتلطيخ اسمه بحيث يصبح في نظر الكُلِّ أو الجُلِّ ذلك الدجال وعميل السوء الذي جاء ليُفسد السنغال! إن الزعيم سونكو يمثل الكوليرا والإيدز والأنفلونزا والكوفيد 19 بالنسبة لمصالح هذه الطبقة من السياسيين. ومن منظور آخر، فإن هاجس الرئيس ماكيسال هو اللعب بورقة نارية قابلة من غير مواربة على إحداث حرب أهلية أو فساد كبير، كأن لسان حاله تقول:بما أنك يا سونكو اللئيم حرمتني من الترشح بالضغط الشديد الذي كنت السبب فيه، فمن باب الانتقام سأسد الباب على وجهك، تلك سياسة (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) [المائدة: 45]، وُضِعتفي غير محلها! ربما غاب عن الرئيس سال أو تناسى أن الشعب الذي وقف وقفة رجل واحد وحال دون ترشحه وضغط عليه حتى انسحب هو الشعب نفسه الذي سيمنعه بإجهاض مؤامراته وتكتيكاته السياسية المضمرة قبل أن تستفحل أمرها. غير خاف أنه لا شيء يمكن أن يوقف مسيرة شعب واع شق طريق الثورة، فإنه ينسف الجبال نسفا ويهد الأرض هدًّا ويكسح كل شيء في طريقه.وليس من قبيل المماحكة أن للحكام والرؤساء سلطة منحها إياهم الملك الديّان جلّ في علاه، إلا أننا نعتبر أن السلطة الحقيقية التي نعدها منحة إلهية لطيفة، هي التي أودعها الله في كيانات الشعوب – لا في أيدي الحكام والسلاطين – يٌفعّلها الله تعالى متى يشاء، ومع من يشاء، كما فعّلها مع نبي الله إبراهيم والملك الطاغية نمرود، وكذا مع نبيه موسى وفرعون مصر، والأمثلة لا شك كثيرة جدا يضيق المقام بحصرها. وقد تفطن لهذه السلطة اللطيفة المودعة في أيدي الشعوب شيخُ الإسلام وصاحب “الفيضة التجانية” الحاج إبراهيم نياس الكولخيالسنغالي (1900-1975م)، حين قال في عام 1959م، أي قبل حصول كثير من دول أفريقيا السوداء على استقلالها: «والشعوب أقوى من الحكومات». [انظر خطابه التاريخي ردا على رئيس أساقفة دكار عام 1959م تحت عنوان: «أفريقيا إلى الأفريقيين»]. وفي هذا المضمار ذاته جأر الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (ت 1934م)بقوله:

إذا الشّعــبُ يَـــوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فــلا بــدّ أن يَســتجـــــــيب القــدرْ

ولا بُــــــــــــدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَـــنْجَـــلِــي وَلا بُــــدَّ للقَــيْــدِ أَنْ يَــنْــكَـــسِـــــــر

لا نشك في أن الزعيم عثمان سونكو والشعب سيكون لهم النصر والظهور والغلبة بإذن الله تعالى على أهل السيستم الذي ديدنه المؤامرة والكيد والخداع والغدر. إن الحالة السياسية الآنية تجعل من سونكو ليس فقط “سقراط” زمانه وإنما أيضا موسى لفرعون السنغال و”عيسى” للخونة المتخاذلين في تحالف “يوِي أَسْكَانْ وِي” (Yewwi Askan wi). إن خطاب سونكو التاريخي الأخير الذي أدلى به يوم عرفة الماضي أماط اللثام عن كل خبايا السيستم حيث فضح أهله ونواياهم أمام الملأ، الأمر الذي يجعلنا نستشف من حياة هذا الرجل العظيم أنه من معدن نادر وطراز استثنائي، ذلك لأنه كلما عظمت البلية عليه وكبرت الورطة السياسية التي يحاول أعداؤه أن يزجوه فيها يجد من حيث لا يتفطن أحد مخرجا معجزا ومسلكا موفقا! كأن نجمه يتألق بالمحن والاضطهاد، تلك سيرة العباقرة وعظماء التاريخ. لم أجد من السياسيين من بني بجدته من يفري فريه، إنه بالفعل أعجوبة في الساحة السياسية السنغالية وصداع وبيل في رأس ماكي سال ولغزه العويص الذي لم ينجح بعد في حله. 

إن إدانة المعارض سونكو بالسجن لمدة سنتين نافذتين بتهمة جديدة كل الجدة لا علاقة لها بالتهم الأولية الخطيرة التي ألصقت به لا تخلو أن تختفي وراءها تساؤلات وأن تُقدَّم حولها تحليلات تستحق كلها أن نقف عندها برهة. لا يعزب عن بال المتابعين الواعين أن الدكتاتور الفاشل ماكي سال كان يهدف في إدانة سونكو لمنعه عن الترشح إلى أن تخلو له الساحة فيتقدم للترشح لولاية ثالثة غير شرعية مع منافسين يعلم علم اليقين أنهم ليسوا كفئا له، فيفوز عليهم ويسحقهم سحقا دون كثير عناء. بعبارة أخرى أراد الرئيس أن يختار لنفسه منافسين في السباق الرئاسي بدل أن يترك اللعبة الديمقراطية تسير على وتيرتها العادية والطبيعية. ولا ننسى أن من تصريحات ماكي سال في السابق أنه “سيقلص المعارضة لأبسط تعبير لها”. وصولا إلى هذه المرحلة من السبر والتحليل لا يمكن لنا أن نعزل تحليلا آخر له وزنه يتمثل في أن الحزبين (PDS) و(PS) هما اللذان في اعتقادنا حرضا الرئيس سال على إدانة وإقصاء الشاب الطموح الواعد عثمان سونكو من السباق الرئاسي بحيث يكون الهدفالمنشود هو جَعلُ كُلِّ المتسابقين إلى كرسي الرئاسة (نعني كريم واد وخليفة سال وعثمان سونكو) في موقف واحد، فهؤلاء الثلاثة قد قضت المحاكم بإدانتهم بحيث يتعذر عليهم جميعا الترشح، عندها يبقى الرئيس ماكيالمتحكم الوحيد في مستقبل المعارضين الثلاثة الذين كان يخشى ويتخوف من التعارك معهم. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو ما الهدف من جعل المتسابقين الثلاثة في وضع واحد؟ إن تحليلنا المتواضع يقودنا إلى أن ذلك من صنيع الحزبين المذكورين آنفا مع اتفاق ذلك طبعا مع مصالح الرئيس ماكي سال. ذلك لأن الحزبين لهما يقين لا يكتنفه شك أن سونكو هو صاحب الشعبية الكبيرة والقوة والمنعة بحيث لو مُنع من الترشح سيقوم أنصاره باحتجاجات عنيفة كما حصل في شهر مارس 2021م، وعندئذ لا محالة من أن ترد له حقوقه السياسية للترشح، لأن ذلك هو إرادة الشعب ولن يقبل الشعب المساومة في ذلك، بل لن يحيد عن ذلك قيد أنملة، فبدون مشاركة سونكو لا يمكن أن يتخيل تنظيم انتخابات في السنغال عام 2024م. وحين تُرد إلى سونكو حقوقه بحيث يصلح للترشح فذلك يضع ماكي سال في حالة حرجة جدا يواجه فيها حائطا لا يمكن تسلقه، فيكون مضطرا إلى إعادة الحقوق إلى كل من السيد كريم واد والسيد خليفة سال. تلك هي “مؤامرة العصر” التي حيكت على ظهر الشعب، وحاك جزءا منها الحزبان ضد الرئيس!فالقضية إذًا ليست مؤامرة واحدة اتفقوا جميعا عليها، بل هي مؤامرات في مؤامرات، أحيانا كثيرة ضد الشعب،وأحيانا أخرى ضد بعضهم البعض. الزعيم الوحيد الذي رفض الدخول في حلبة المؤامرات هو الزعيم سونكو، فإنه ظل إلى الآن منسجما مع آرائه ومتمسكا بمبادئه لم يحد عنها ولم يساوم عليها. كل ذلك يجعل الشعب في وضع مريح لإحداث قطيعة أو طلاق مع السيستم السياسي الموروث من غير رجعة. وجدير بالذكر هنا أن باقي الزعماء السياسيين الذين لم يدخلوا في زمرة “الحوار الوطني”ولا في المؤامرات الخسيسة، فإن كان بعضهم يتسم بالنزاهة في تصريحاته وسلوكياته ومتمسكا بمبادئه وآرائه فالمؤامرات التي حيكت ضد الشعب لم تحسب لهم حسابا ولم تكترث بوجودهم، لعل السبب يرجع إلى اعتقاد المتحاورين المتآمرين أن هؤلاء لا يشكلون خطرا بالمرة للحزب الحاكم، وأحرى للحزبين (PDS) و(PS)لخفة وزنهم في الخارطة السياسية. 

ولا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه إلى أن الرئيس ماكيسال لو كانت نواياه حسنة بالفعل وأراد الخير والاستقرار والسلام لهذا البلد ولشعبه لما أكد مرارا وتكرارا في خطابه يوم 03 يوليو الماضي أنه سيطارد من أسماهم ب “المفسدين” (fossoyeurs) الذين في اعتقاده هم أعداء السنغال، وأنه سيقوم بمحاكمتهم أفرادا وجماعات، مضيفا إلى أن ذلك سيكون شغله الشاغل بقية مكثه على كرسي الرئاسة! كما أكد أنه سيحرص بكل ما أوتي من قوة على تطبيق كل الأحكام القضائية التي أصدرتهاالمحاكم! لو كانت نيته صالحة لأفرج عن جميع المعتقلين السياسيين دون قيد أو شرط ولعب بورقة التهدئة والسلممع العلم أنه لم يبق له عن التنحي عن كرسي الرئاسة إلا شهورا تعد بالأصابع. ليعلم الرئيس أن الشعب واع يتربص به ويقف له بالمرصاد، إنه شعب عظيم ومتزن لا يتحرك إلا في الوقت المناسب. والحق الذي لا مرية فيه هو أن القاعدة العريضة من الشعب قد أظهرت إرادتها ونصبت رئيسها في أدمغتها قبل حلول الأوان، ذلك لأنها قد رأت في المعارض السياسي عثمان سونكو جنة النعيم ابتداء من عام 2024م وفي أهل السيستم الجحيم وذلك منذ عام 1960م، والإنسان الفطن لا يبيع النور بالدجى.ومهما قيل فنعلم أن سونكو يبقى مجرد وعد أو حلم، لكن نأمل بكل قلوبنا أن يُنجز ويُحقق في القريب العاجل لما تتعلق به من طموحات وآمال لشعب غارق في فقر مدقع وتخلف شنيع لعب به السياسيون ردحا من الزمن، لذلك آن أوان مفارقة السيستم السياسي الموروث وأهله.

وفي نهاية المطاف يجدر بنا أن نلحظ أو نؤكد أن سونكوهو المستحق أكثر من غيره من المعارضين السياسيين في رئاسة الدولة عام 2024م، وذلك لمواقفه الباسلة التيلم تعرف للضعف واللين والوهن سبيلا، فهو الشجاع الألمعي الذي لم يتزحزح ولو قيد أنملة أمام الطاغية ماكيسال، فكل المعارضين الذين سبقوه ولعبوا بورقة “جمهوري” (républicain) واحترام القوانين تم القبض عليهم وزُجُّوا في السجون وحُرموا من الترشح! هذا ما لم ينجح فيه ماكي مع الزعيم سونكو المحنك، فمنذ الوهلة الأولى وقف هذا الأخير وقفة راديكالية شجاعة مع النظام ورفض رفضا باتا أن يكون فريسة تُلتقم بسهولة كما فُعل بسابقيه (كريم واد وخليفة سال). فلو أن سونكوانقاد بسذاجة وزج نفسه في لعبة احترام القوانينوالخضوع لها وظهر في ثوب “جمهوري” لكان مصيره غير الذي نشهده في الوقت الراهن بهذه الشعبية وكعقبة كأداء أمام دكتاتورية ماكي سال. لقد تحدى سونكوالنظام بشجاعة وكان حظه أن وقف الشعب بجانبه بشكل غير مسبوق في التاريخ السياسي السنغالي ككل. فإن كانت ثمة سمة تميز بها سونكو عن غيره من المعارضين السياسيين الذين سبقوه فهي شجاعته النادرة، ومعرفته الدقيقة والعميقة بعدوه اللدود الذي هو ماكي سال، هذا الأخير قد جنّد كل ما أوتي من قوه وأفرز كل حيله ومؤامراته البشعة للتخلص منه ففشل في ذلك فشلا ذريعا. يبدو لنا أيضا أن سونكو هو المعارض السياسي الفريد الذي يتمتع بوضوح برنامجه السياسي المقترحفي أدمغة شريحة كبيرة من السنغاليين، مثقفين وغير مثقفين. وينضاف إلى ذلك ما ألَّفه من كتب في هذا المنحى، وكذا منشورات بلور فيها بعض آرائه الأساسية في كيفية ترشيد واستغلال المواد الخامة الأولية الثمينة التي تُبطنها تربة السنغال، وكيفية عقد صفقات عادلة ومتزنة مع الدول التي تريد أن تستغلها بحيث يكون المستفيد الأكبر هو السنغال. إن سونكو باع حلما فتلقاه الشعب في حالة يقظة وحول هذا الحلم إلى واقع معيش!

2

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici