نور الأزهر الشريف يسطع على غرب إفريقيا.قراءة في كتاب (مقدرات خريجي الأزهر تحليل البيانات والمواقف السنغالية) للدكتور/ محمد يوري سل.

0
564


بقلم الدكتور/ محمد حسني عمران عبدالله .
رئيس البعثة الأزهرية بدولة السنغال.


حمل الأزهر مواريث النبوة، رواية ودراية ورعاية، وشاء الله له أن يتبوأ مكانه الريادي، فكان كعبة يؤمها الناس من كل حدب وصوب. ينهلون من علومه، التى بلغ فيها شأوًا لا نظير له، ومن هنا أصبح واجبًا على القائمين على أمر الأزهر الشريف – حفظه الله وصانه – والمنتمين له، والمنتسبين إليه، أن يقوموا بمهمتهم على أكمل وجه وأتمه؛ لئلا يتركوا الساحة كلأً مباحًا أمام الحاطبين بليل، والدخلاء على العلوم وهم ليسوا من أهلها.
ولقد أكرم الله الأزهر بثلة من العلماء يواصلون الليل بالنهار، ويعملون تحت راية الأزهر في خفاء
يصدق فيهم قول الله تعالى:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) (الأحزاب:23).
ومواصلة لهذه الجهود قام الدكتور/ محمد يوري سل بكتابة الكتاب المذكور أعلاه.
ويبلغ الكتاب مائتي وأربعين صفحة من القطع المتوسط، يحتوي على قاعدة بيانات خريجي الأزهر من السنغال ورصد فيها خريجي الأزهر من الستينات حتى 2020م، وذلك بالأسماء والكليات والأقسام والسنة. من ص164 إلى نهاية الكتاب.
والدكتور/ محمد يوري سل أستاذ الرياضيات ونظم المعلومات في جامعة (جاستون بيرجيه). جمع بين ثقافتين العربية والفرنسية، وأتقن اللغتين ونشر كتابه هذا بالعربية والفرنسية.
وقدم للكتاب الدكتور/ عبده باه أستاذ اللغات الإفريقية وأستاذ اللغة والحضارة العربية بجامعة (الشيخ أنت جوب) في السنغال والدكتور عبده باه سنغالي من أبناء الأزهر ومن الذين جمعوا بين كُلِّيتين في الأزهر الشريف (كلية الشريعة والقانون وكلية اللغات والترجمة قسم الدراسات الإفريقية).
وجاءت الدراسة تتكون من ثلاثة محاور:
المحور الأول: المؤشرات الإحصائية للذين درسوا في الأزهر من السنغال.
المحور الثاني: تحليل وضع ثقافة السنغال العربية الإسلامية.
المحور الثالث: قاعدة بيانات خريجي الأزهر من السنغال.
ويأتي كتاب (مقدرات خريجي الأزهر تحليل البيانات والمواقف السنغالية) للتعبير عن رسالة الأزهر التي أتت ثمارها طيبة بإذن ربها.
لباحث يحمل همَّا وهمَّة تجاه العملية التعليمية والتي بمخرجاتها الجيدة تزدهر الأمم وتنهض الشعوب.
يخوض غمار البحث بطريقة إحصائية من واقع بيانات مؤرشفة – بعيدًا عن العشوائية ويعالج البحث بطريقة أكاديمية متميزة، متغلبًا على الصعوبات التي واجهته إزاء إعداد البحث في سبيل إنجاز المهمة على وجه التحقيق والتدقيق.
وإذا أردت أن تقف على شيء من هذه الصعوبات والمشاق فالباحث يسافر من السنغال إلى مصر ويتحمل عبء السفر المادي والمعنوي – وهو ليس بصدد كتابة بحث ينال به درجة علمية- بل بغية الاستفادة من التجربة الأزهرية في التعليم الإسلامي وإهدائها إلى بني وطنه في السنغال لتكون موضع اقتداء في النظام التربوي التعليمي.
كما كان من صعوبة البحث العمل الإحصائي لا سيما في البلدان الإفريقية لنقص البيانات أو كونها غير قابلة للتحليل مما دعاه للتواصل مع المسئولين من جامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ومشيخة الأزهر الشريف والذين تعاونوا معه في اطلاعه على البيانات التي لا يطلع عليها عامة الناس.
وكان من قبيل الوفاء للجهة التي انتمى إليها تعليمًا واستفاد منها، ومن قبيل رد الجميل لوطن نشأ وترعرع في أحضانه جاءت هذه الدراسة.
ونبعت مشكلة البحث من الشعور بتهميش التعليم الإسلامي في السنغال والزعم بعدم جدواه، وعدم إفادة المجتمع منه، وأنه لا حاجة لخروج السنغاليين إلى خارج الوطن للتعليم العربي الإسلامي لأنه ليس جديرًا بالاهتمام.
فجاءت معالجة المشكلة خلال محاور الكتاب:
1- أن الثقافة العربية الإسلامية تمثل الهوية الإسلامية للشعب السنغالي.
2- أن المثقفين باللغة العربية يمثلون أهل الحكمة والمرجعية الاجتماعية للشعب
3- كبار المفكرين الذين أثروا الواقع والتاريخ كانوا مستعربين أمثال ( الشيخ عمر الفوتى- الحاج مالك سي- الحاج إبراهيم نياس- الشيخ أحمد بامبا) وهؤلاء كانت خطاباتهم محل ثقة واهتمام وتأثير لدى الجماهير العريضة
4- ارتياب الجمهور السنغالي من الثقافة الفرنسية وعدم الاطمئنان لحامليها.
5- خطورة العلمانية على المجتمع السنغالي والتي تعمل على نزع القيم الأخلاقية.
6- تهميش الثقافة الإسلامية يساعد على انتشار الجهل والخرافة وانخفاض مستوى الدعاة إلى حد التدني الخطير.
7- حاجة الديبلوماسية السنغالية إلى التمثيل الجيد في الدول العربية والإسلامية من حاملي الثقافة الإسلامية كما كانت من قبل سمعة السنغال في الخارج.
8- التعليم الرسمي غير مناسب ولم يف بالمطالب القيمية والدينية للطلاب وأسرهم كما أنه لم يحظ باهتمام واعتراف وتقبل جميع السنغاليين.
9- حاجة السنغال إلى التعليم الديني الوسطي يمثل عامل صمود للدولة ويساعد على الاستقرار والأمن الاجتماعي
ويشير الدكتور يوري سل إلى عطاء مصر الأزهر فيقول: (لم تتوقف مصر عن إعطاء السنغاليين ما يفتقدونه، ألا وهو الثقافة الإسلامية الرفيعة.
لو لم تكن مؤسسات مثل الأزهر؛ لواجه مريدو الثقافة الإسلامية في السنغال صعوبات لإرواء ظمئهم المعرفي، والوصول إلى العلوم الحديثة والتغلب على القيود اللغوية التي أقامتها النخبة الحاكمة في وطنهم وكذا الحصول على كرامة الإنسان المثقف. ولا تزال العلاقات العلمية بين مصر والسنغال مستمرة إلى يومنا هذا، ذلك أن الجالية السنغالية في مصر تتكون أساسا من طلبة العلم) ا.هـ.
كما يجعل (الدكتور يوري سل) الأزهر بمثابة الجامعة الثالثة للسنغاليين بعد جامعة (الشيخ أنت جوب) وجامعة (جستون بيرجيه) وليس ثمة مؤسسة تعليمية أخرى تكون السنغاليين بهذا الكم والنوع.
وتتمثل أهمية الدراسة: في كون السنغال -البعيدة جغرافيا عن مصر- تحتل المرتبة الثانية في عدد الوافدين الذين تخرجوا من الأزهر، وهذا يعكس ثقة السنغاليين في تحقيق مآربهم العلمية والثقافية في الأزهر الشريف.
كما أن أغلبية الدارسين تتجه إلى العلوم الإسلامية وقلة تتجه إلى العلوم النظرية المهنية والتطبيقية.
كما شملت الدراسة جميع المستويات التعليمية (الابتدائي – الإعدادي- الثانوي- الجامعي) من الجنسين ذكورًا وإناثًا بإحصائية بيانية ما بين ارتفاع وانخفاض نسبة الدارسين حسبما تشير الأرقام المدونة في كل عام.
كما تعرض (الدكتور يوري) للاتجاهات والأفكار التي تأثرت بالاستعمار الفرنسي وتحتقر التعليم العربي الإسلامي وتحاول التزهيد فيه، فبعد ما مضى المستعمرون تركوا أفكارهم يرعاها بعض أبناء السنغال لتحطيم ما بقي في أجسادهم من قوة، وفي قلوبهم من إيمان، وفي أرواحهم من عزة ومثل عليا وفي عقولهم من انتماء وولاء للهوية العربية والثقافة الإسلامية.
لكن المجتمع السنغالي بقي صامدًا أمام هذه المحاولات فسجل (الدكتور يوري) هذا بقوله: وإن كان الاستعمار أثر على سير المجتمع السنغالي، إلا أن الأخير قد نجح في الحفاظ على اتجاهه الاجتماعي والديني، فلم يفقد لغاته المحلية ولا الصبغة العربية الإسلامية لثقافته.ا.هـ.
كما كان من بين الدوافع التي نتج عنها هذا الكتاب حاجة المجتمع السنغالي إلى تطبيق منهج الأزهر الشريف الذي يدعو للوسطية والاعتدال ومجافاة الغلو والتشدد، للخروج من أزمات العنف والتطرف التي تضرب المجتمعات الدولية والإقليمية، لا سيما والمجتمعات أصبحت تعاني من اضطرابات وقلاقل وعدم استقرار اجتماعي وسياسي والكل يمر بظروف مماثلة.
وسبب ذلك مشاهدة النماذج الأزهرية من أبناء السنغال ولها تميزها وتفردها عن غيرها ممن لم يتبنَّ ذات المنهج أو يدرس نفس الدراسة.
وهذا النموذج تحتاجه الأمة فى مختلف الاتجاهات، إيمانًا منا أن الفكر يواجه بالفكر، والحجة بالحجة، والدليل بالدليل، فهو لا يعرف دعوة الحناجر والخناجر!!
وإنما يعرف الدعوة الربانية القائمة على الدليل والبرهان، والتجرد لله تعالى.
والزمن يزيد رسالة الأزهر تألقا ً وإشراقا ً وحفزا لهمم المصلحين، وشحذًا لعزائم المنافحين المكافحين.
ومن هنا أرجو أن تكثر هذه النماذج المضيئة من الباحثين الجادين، ومن البحوث الجادة التي تقدم نفعًا وزادًا، وعلاجًا لداء، وحلاً لمشكلة.
أتقدم بخالص الشكر والتقدير والعرفان للدكتور محمد يوري سل الذي حاول إبراز رسالة الأزهر بطريقة فريدة وغير مطروقة مما جعل بحثة يتسم بالجدَّة والطرافة.
اللهم احفظ الأزهر الشريف من كل سوء وشر، وكيد ومكر، وارفع مناره، وأَعْلِ مقداره، واحفظه بحفظك الجميل.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici