بحث : أحاديث أهل انجمبر وكجور @ في بيان تطور معاني تكرور .

0
2558

-تكرور ما بين القرن 11 إلى 13 الميلاديين – .

بقلم / جيلاني امبوج، طالب الدكتوراة في اللسانيات التطبيقية.

يعتبر الجغرافيون العرب أول من كتبوا عن السودان الغربي ، وقد عرفوا بمدينة تكرور وحددوا معالمها وحدودها ،حيث أطلقوا اسم التكرور على منطقة جغرافية محددة ومعروفة على ضفاف نهر السنغال ، ما يعرف اليوم بفوتا توري ، (وهي تسمية حديثة جاءت مع حملة كولي تنيغالا ) ، فإذا فتشنا في كتابات العرب نجد البكري يحدثنا عن مدينة تكرور ودخول سلطانها وارجابي في الإسلام عام 1040 ميلادي فيقول :
“ويلى مدينة صنغانة ما بين الغرب والقبلة على النيل مدينة تكرور وأهلها سودان، وكانوا على ما كان سائر السودان عليه من المجوسية وعبادة الدكاكير والدكور عندهم الصنم ، حتى وليهم وارجابي بن رابيس فأسلم وأقام عندهم شرائع الإسلام وحملهم عليها وحقق بصائرهم فيها .وتوفى وارجابي سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فأهل تكرور اليوم مسلمون(1)
وفي معجم البلدان لياقوت الحموي مادة تكرور عرفها بأنها .(2) ” بلاد تنسب إلى قبيلة السودان في أقصى جنوب المغرب وأهلها أشبه بالزنوج” ويعرف القزويني ببلاد التكرور قائلا (3) : مدينة في بلاد السودان عظيمة مشهورة ، ” ثم ينقل عن الفقيه علي الجنجاني المغربي قوله ” شاهدتها وهي مدينة عظيمة لا سور لها، وأهلها مسلمون وكفار، والملك فيها للمسلمين …. ” .
أما ابن سعيد المغربي(4) ( ت 1286) فيقول عن بلاد التكرور : “وأول ما يلقاك على غربي النيل من مدائن التكرور مدينة قلنبوا ، وهي فرضة مشهورة ، وكانت في زمن أبي عبيد البكري للكفار ، وأما في عصرنا فما على شاطىء النيل من بلاد التكرور مدينة إلا وقد دخلها الاسلام . وجميعها لسلطان التكرور ، وقاعدتها على جانبي النيل اسمها تكرور ….. ” ويردف قائلا ” وموضوع مدينة تكرور حيث الطول 17 درجة والعرض 13 درجة و 30 دقيقة ، وصاحبها يسبى رقيق لملم ، وهم بواد ، ولهم في الكتب مدينة كالقرية اسمها مويه ، وفيها بيت دكاكيرهم ، وهي الاوثان ، وموضوعها على البحر المحيط حيث العرض 6 درجات”
ويتضح من خلال هذه النصوص كون التكرور اسما لمنطقة جغرافية معروفة، وليست عرقا ولا قبيلة معينة، فسكان تكرور كانوا أعراقا مختلقة مكونة من الفلان والولوف، والماندينغ والسيرير والسوننكيين، فإذا قيل تكروري في ذاك العهد بالذات يقصد به ساكن التكرور بغض النظر عن عرقه، فقد يكون ولفيا أو فلانيا أو سيريريا أو سوننكيا.

معنى تكرور في القرن الرابع عشر 1300 إلى السادس عشر 1500 الميلاديين.

في القرن الرابع عشر تحول معنى التكرور و جذريا و توسع استعماله وأطلق على السودان الغربي بأكمله ( غرب إفريقيا ) فقد أورد ابن فضل العمري (ت 1349) قصة طريفة لملك مالي منسا موسى في رحلته للحج حيث عُرف صاحب مالي عند المصريين بملك تكرور ويعلق ابن فضل الله على هذه التسمية بقوله (5) : ” وصاحب هذه المملكة هو المعروف عند أهل مصر بملك التكرور، ولو سمع هذا لأنفَ منه، لأن التكرور إنما هو اسم إقليم من مملكته، والأحب أن يقال له صاحب مالي لأنه الاسم الأكبر وهو به أشهر “

ويظهر جليا أن مملكة تكرور المستقلة قد سقطت وأصبحت جزء من امبراطورية مالي، حيث تحولت إلى إقليم من بين الأقاليم الأربعة عشر التابعة لامبراطورية مالي الإسلامية ، وهذه القصة على طرافتها تعطينا فكرة عن توسع معنى تكرور حيث أطلق على السودان الغربي ( إفريقيا الغربية )وتبعه إطلاق لقب التكروري على كل قادم من إفريقيا الغربية إلى المشرق العربي سواء قدم من السنغال أو من مالي، نيجيريا وغيرها، وقد استقر كثير منهم في بلاد الحرمين منذ قرون وما زال هذا اللقب حاضرا في السعودية حيث يسمون بالتكارنة،(جمع تكروني، حيث أبدل الرار نونا،) ولهم تواجد أيضا في السودان وفي إثيوبيا،
ومما يعضد إطلاق اسم التكرور على عموم السودان الغربي إفراد الإمام السيوطي بابا خاصا في فتاواه( الحاوي) للرد على أسئلة بلاد التكرور ،وكانت هذه الأسئلة جاءت من أحد فقهاء تمبكتو( مالي حاليا ) ، فألف الإمام السيوطي رسالة فصل فيها الأجوبة وأسماها : فتح المطلب المبرور، وبرد الكبد المحرور، في الجواب عن الأسئلة الواردة من التكرور (6).

من التكرور كمنطقة إلى تكلور كشعب . المحطة الأخيرة لمعنى تكرور .

لقد شهدت مملكة تكرور تحولات تاريخية كبرى، فبعد أن كانت مملكة مستقلة سقطت خضعت لتبعية امبراطورية مالي لفترة ثم تحولت إلى أحضان مملكة جلف لفترة معينة، قبل أن ينتزعها القائد الفلاني كولي تنغيلا باه من أيدي ولاة ملك جلف.
وكان والد كولي تنغالا في حروب مع سلطان دولة الصنغاي أسكيا محمد ، وبعد مقتل والده جمع ولده القائد كولي فلول جيشه وغزا تكرور (7)،
وكانت لهذه الحادثة ما بعدها إذ فرضت اللغة الفلانية على المنطقة، فأصبحت اللغة المسيطرة، فكانت من تبعات هذه الحملة تحوُّلُ كثير من الأسر الولفية والسوننكية والسيريرية إلى تبني اللغة الفلانية ،فأصبحوا مع الوقت منصهرين في المجتمع الفلاني، لذلك نجد ألقابا من أصول ولفية مثل جوب انجاي ،غاي، فال ،امبوج، جينغ عند الفلانيين، وكذلك نجد ألقابا من أصول سيريرية مثل انغوم، سار، جوف ،وسوننكية مثل غسما توري، سيلا . وهم رغم هذه الألقاب فلانيون، فلغتهم فلانية وثقافتهم كذلك. . فاللغة والثقافة هما اللتان تحددان هوية وانتماءه العرقي ، ويطلق عليهم الشعب السنغالي تكلور (بإبدال الراء لاما )، فتحول معنى تكرور من اسم لأرض إلى اسم لمجموعة من الفلان ، وهذه هي التسمية الحديثة التي استقر عليها لفظ التكرور .
ومن تبعات حملة كولي تنغالا تحول اسم المنطقة من تكرور إلى فوتا تورو، ومن الأهمية بمكان التفرقة بين العهدين عند تناول تاريخ هذه المنطقة بالدراسة، إذ حدثت تحولات جذرية على المستوى السياسي واللغوي والاجتماعي أكسبت المنطقة حلة أخرى، يجب الحذر والاحتياط عند تناول العهدين لوجود فروق جوهرية بينهما، فمن الإشكاليات التي يقع ضحيتها بعص الباحثيين إطلاق اسم التكروري بمعناه الحديث ( الفلاني ) على كل من هاجر قديما من تكرور للاستقرار في الممالك الولفية، إذ ليس من الضروري ان يكون فلانيا دائما ،قد يكون ولفيا أو سوننكيا أو فلانيا، نظرا لتعايش هذه القبائل جنبا لجنب في تكرور ، وما زالت هناك قرى ولفية في فوتا ،
الخلاصة : بكل اختصار ، التكرور في القرن الحادي إلى القرن الرابع عشر كانت منطقة جغرافية محددة ومعروفة في حوض نهر السنغال ما يعرف اليوم بفوتا توري، وفي القرن الرابع عشر إلى ما بعده توسع استعمال اللفظ وأطلق على كل السودان الغربي ، ثم انحسر معناه أخيرا وبالتحديد في السنغال حيث يطلق على مجموعة من الفلانيين.

الهوامش:
(1)البكري، أبو عبيد ،المسالك والممالك تحقيق د جمال الطلبة ص 359
( 2 )،مملكة مالي عند الجغرافيين المسلمين , جمع وتعليق المنجد صلاح الدين ، ص ١٨ نقلا عن معجم البلدان لياقوت الحموي.

(3-)المرجع نفسه ص 22 نقلا عن كتاب آثار البلاد لزكريا بن محمد القزويني .

( 4)- المرجع السابق ص 29 نقلا عن كتاب بسط الأرض في الطول والعرض لعلي بن سعيد المغربي ، نشرة خوان فرنيط خينس ،تطوان 6-271958,ص 24-28

(5) المرجع نفسه، ص 34, نقلا عن مسالك الأبصار، في ممالك الأمطار، ابن فضل الله العمري
(6-) ينظر : جوانب من تراث التكرور الإسلامي بمدينة القاهرة د. إسماعيل ،حامد إسماعيل ،مقال منشور على موقع كامل الحضارة والتراث بتاريخ 20 نيسان 2020 ،وتم استرجاعه على الرابط التالي : https://ccha.castle-journal.info/index.php/2019-04-15-15-35-00/item/975-2020-04-30-18-19-01
(7) ينظر، السعدي، عبد الرحمن تاريخ السودان , بتحقيق ،هوداس ص ٧٧

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici