ما الإسلامُ الصحيح لدى الرئيس مَاكي سال وأنصاره؟!

0
152
كتب/ شعيبُ بن حامد لوح

كثيرا ما تُكرر الألسنة كلمة الإسلام وتضيفه إلى بلد أو إقليم أو منطقة، يقصدون بذلك ما يميز إسلام ذلك البلد أو المنطقة عن غيرهما من سِمات وخصوصيات وسُلوكات، فإسلام بلد كأمريكا مثلا -حسب فهم هؤلاء- مختلف عن إسلام دولة في أوروبا أو في إفريقيا، فمن هذه الزاوية يُردِّد الرئيس ماكي سال أو بعض وزرائه في خطاباتهم كلمة “الإسلام السنغالي”، يهدفون من ذلك ما عُرف في السنغال من الإسلام الطُّرُقي الاِنتمائي.
نعم لا شك أن الطرق الصوفية في السنغال هي التي لعبتْ دورا لا يُستهان به من استقرار البلد وأمنه وازدهاره، وأنقذ البلدَ من وَيلات ومصيبات كانت ستحرق السنغال لولا صمود هذه الطرق ورسوخ قدمها، كما هو الحال لدى بعض الدُّول المجاورة للسنغال.
بيدَ أنَّ للرئيس ووزرائه مآربَ أخرى حينما يستشهدون بفاعلية وإيجابيَّة “الإسلام السنغالي” فهم يقصدون وراء ذلك: الإسلام المحصور في المساجد والزوايا والدوائر، أو بعبارة أخرى: “الإسلام المُناسباتي” الذي يقصر دوره في ظَرفيْ زمان ومكان لا يتعَدَّاهما.
وعليه، فكل “إسلام” يحاول النزول في الميدان، ويقدم حلولا مُستقاة من الإسلام، ويُندِّد بالظلَمة، ويلعن الفسَدة، فهو عندهم “إسلام مُسْتورد” أو “إسلام التطرف” أو “إسلام غريبٌ” يجب محاربته؛ كونه دخيلا وضيفا غير مرحَّب به في السنغال.
وبالتالي، فكل مُنتسب إلى طبقة المشيخة يريد أن ينأى بنفسه عن التَّقوقع عن الذات، ويتخذ مبادرات شجاعة ومسؤولة في إدارة الشأن العام للبلاد والعباد، ومناهضة الظلم والاستبداد والمحسوبية والفساد، فإنه سيتعرَّض للإهانة واللامبالاة والشَّيطنة من الساسة وبمساعدة من بَنِي جِلدته (¹).
وهذا الفهم القاصر للإسلام هو ما يناسب في الحقيقة لسياسة الرئيس وحكومته من الذين ينهبون مال الدولة، ويَضطلعون في أمور مظلمة، لا يجدون بعد ذلك من يأخذ بيدهم، ويقول لهم: كُفُّوا، خصوصا من طبقة المشيخة الذين يُسمع لهم القول، ويُنَفذ لهم الأمر.
فهذا الفهم للإسلام جهل أو تجاهل لحقيقة هذا الدين الذي نزل ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الشَّقاوة والتَّعاسة إلى السعادة ورَغَد العيش، فالإسلام دين يُولي العناية بشِقّي ابن آدم: الروح والجسد معا.
وليس مُستبعدا بالنسبة لمن يفهم الإسلام بشموليته واستيعابه لقضايا الدين والدنيا أن تُلصق إليه تهمة الإرهاب يوما ما، لذنب وحيد هو: اعتقاده بأن الإسلام يتعدَّى المسجد، ويُعالج مشاكل الإنسان المختلفة الأبعاد.
ثم إذا أعلن المسلم في المَلإ قائلا: {إنَّ صَلاتي وَنُسُكي ومَحْيَايَ ومَمَاتي لله رَبِّ العالمين}، لم يبق له خيار في الأحكام التي تنزل من اللطيف الخبير سواء كانت فيما يصلح به دنياه أو ما يصلح آخرته، فالإسلام دين ودولة، مادة وروح، أحكامه تتسم بالوسطية والواقعيَّة، لا رَهبانيَّة فيه، ولا يتماشى مع أصحاب القول: “دَعْ ما لقَيصَر لقيصر، وما لِله لله”، بل يُقر بأن ليس لقيصر شيء حتى يُترك له شيء فالأمر كله لله، وإليه يرجع.
وإذا اتَّضح هذا الأمر أمكن القول: إن حصر الإسلام (بوصفه دينا) في بلد أو منطقة أو إقليم كلمة يراد بها باطل، وليس له حجة يقوم عليها، فالإسلام دستور إلهي فيه سعادةُ الإنسان، والإعراض عنه ضنك وشقاوة أبدية: {ومَن أعرَضَ عَن ذِكري فإنَّ له مَعِيشةً ضَنْكًا ونَحْشُرُهُ يومَ القِيامَةِ أعْمَى}.

1- ينظر مقال بعنوان: المشيخة الدينية والزبونية السياسية، قراءة في الاستحقاقات والإخفاقات، للدكتور أحمد مختار لوح، منشور في الفيسبوك.

           مُستهلُّ شعبان 1444 هجرية.
               فبراير 2023 ميلادية.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici