مقالة: الشيخ صالح امباكي والقرآن الكريم :

0
58

كان الشيخ الصالح رضي الله عنه كثير الأوراد والأذكار كدأب العارفين من أهل التصوف ، وكان القرآن الكريم وقصائد الشيخ الخديم في مدح النبي ﷺأول أوراده التي لا يكاد يفارقه ليلا ولا نهارا ، وقد روى لي الشيخ عبد الأحد جخاتي: ” أنه يعتقد أن ورد الشيخ من القرآن كان ختمة كل يوم ، وكان بعد اختتام المصحف يبدأ من جديد حتى يصل إلى آية الكرسي ، وقد لاحظت انه في كل مغال يختم المصحف ويفرغ منه في الساعة السادسة عصرا رغم كثرة الزيارات في هذا اليوم “
وقد روى لي أيضا السيد طيب جخاتي ما يقرب من ذلك فقال : ” إن الشيخ رضي الله عنه كان يختم المصحف بتمامه في يوم المغال، وكان يفرغ منه قبل الضحى ، ثم يقرأ قصيدته نور الدارين ليختتم بها، “
وقد سألته عن ورد الشيخ من القرآن ، فقال: ” إنه لا يعرف ذلك بالضبط ، ولكنه كان يقرأ منه كثيرا في كل الأيام ، وبالأخص حينما يكون في أحواله الروحانية فقد يختم المصحف كله في اليوم ثم يبدأ من جديد ، ولكن ذلك لم يكن الحال الغالب عليه كل حين ، وإنما هو حالات عارضة في بعض الأحيان وفيما عدا ذلك فقد كان يقرأ منها كثيرا “

محبته للقران
كان يحب القرآن الكريم محبة جمة ، وقد ورث والده رضي الله عنه في محبة كتاب الله تعالى ، ومن دلائل حرصه على القرآن ومحبته له ، أن طفلين من مدرسته حفظا القرآن، وأتيا إليه لتسليمه مصحفين كتباهما بخط أيديهما، ففرح الشيخ بذلك كثيرا ، وقال لهما لو كنت في مثل سنكما لصرفت كل نفس من أنفاسي في تحفيظ القرآن وخدمته .فقال له الحاضرون : ولكنك يا شيخ صرفت حياتك في خدمة القرآن وبناء الكتاتيب . فقال الشيخ الحمد لله على ذلك” . وقد قال أيضا لمريده حبيب جوب بن الشيخ محمد الأمين جوب دغنا لو أعاد لي الله عصر الشباب لما صرفت لحظة من حياتي في غير خدمة القرآن وتعليمه. قال الشيخ حبيب :ففهمت من ذلك أنه يريد أن يحثني ويعلي همتي ، ويزيدني حبا ونشاطا في خدمة كتاب الله العزيز، فلا يعقل أن يصدر منه مثل هذا القول إلا لأجل ذلك؛ لأنه قضى حياته كلها في خدمة القرآن ونشر مكارمه ومعارفه.

وقد أخبرني به الشيخ خليل مباكي نقلا عن الشيخ مصطفى جورحمه الله تعالى :أن الشيخ كان غاضبا علي يوما وقال لي إنك أفسدت علي نظام التعليم في الكتاتيب فأنت تعطي الأولوية للعمل الزراعي والخدمة على حساب التعليم القرآني، فقلت له: ولكن يا شيخ يمكن أن تجد الآن في خزانة كتبك أكثر من مائة رسمها حفظة القرآن ممن تعلموا في مدارسك، وهذا لم ينل أحد من أبناء الشيخ الخديم ، وقد خصك الله بهذه النعمة. فتغير حاله من الغضب إلى الفرح وشكر الله تعالى وحمده غاية الحمد والشكر.

وقد روى لي الشيخ البشير عبد الكريم عن الشيخ محمودن بوصو وهو المشرف على تعليم القرآن في دار الشيخ شعيب قوله :” إنه كان يتحدث يوما مع الشيخ الصالح في شئون التعليم فقال له : يوجد عندي الآن بعض تلامذة أتقنوا القرآن حفظا وتعليما وإقراءً ، وأنا الآن أريد أن أولّيهم وظيفة تعليم القرآن الكريم ، وأتولى بنفسي تعليم العلوم الشرعية ، فقال له الشيخ الصالح :كلا ؛ لا تفكر في ذلك ، فمعلم القرآن كمن دخل الغرفة فهو في حصن الله وحمايته ، وأما من يعلم العلوم الشرعية فكالشخص خارج الغرفة ، فلا يتعدى أمره عن وصف البيت وحالاتها ، وأما من في الداخل فهو يراها ويشاهدها بأم عينيه. “
ومعنى ذلك أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وهم في معية الله القدسية دائما ويسبحون في أنوار ذكره تعالى أبدأ ، وأما رجال العلم فهم في خارج الحضرة القدسية ، يصفون للناس ما سمعوا عن الحضرة من أوصاف وشروط للدخول فيها.

ومن محبته له أنه كان يتأثر جدّا بآي الذكر الحكيم ، فكان إذا سمع صوت القارئ يتلو عليه القرآن يأخذ عليه بمجامع قلبه ، حتى لا يستطيع الحديث ولا التفكير في غير معاني ما يسمع من آي الذكر ، وكان إذا سمع مكبرات الصوت في المسجد الجامع في طوبى تصدح بالتلاوة المجودة تأخذ عليه كل تفكيره وحواسه حتى لا يستطيع مزاولة أنشطة حياته اليومية من شدة الإنصات والإصغاء لكلام الله تعالى ، و كان أحيانا يلجأ إلى الغرف الداخلية في البيت حتى يستطيع مباشرة مهامه اليومية.

الشيخ شعيب كبه.

دكارنيوز

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici