ما وراء الأخبار من أحداث 1993م

0
439

حريّ بنا إعادة التاريخ أو استنطاقه بالوجه الصحيح، إن كان يطمر في ثناياه حقائق كادت الأساطير أن تسطو عليها، وخاصة إذا تعلّق الأمر بالماضي الذي هو سرّ مجدنا، وباعث انتفاضتنا في الحاضر، ومناط آمالنا في المستقبل، ففي التسعينيات من القرن المنصرم، عرفت سطوح هذه البلاد مشاحنات عنيفة، و مواجهات ساخنة، هزّت الأراضي وزلزلت كيانها، وأطاحت بحياة بعض المواطنين، الأمر الذي جعلتها قضية ذات ماض مليء بالخفايا والأسرار، تستطرد في ذاكرة التّاريخ الأسود، وكانت للقضية أسباب كثيرة، تعود جذورها إلى سوء التفاهم الذي وقع بين الحكومة الاشتراكية وقتئذ، والشعب السنغالي الأبيّ.

ليس خافيا على أنّ الشعب السنغالي أنَّ كثيرا تحت وطأة الحكومة الاشتراكية، ونيرها الثقيل، ما جعل هذا الشعب التائه ينضوي أخيرا تحت لواء الليبراليين بقيادة الجدّ عبد الله واد، فبعد الانتخابات الرئاسية في عام 1988م والتي انتهتْ بفوز عبد جوف الذي تلقّى دعما ومساندة من بعض الشيوخ مثل الشيخ أحمد التجاني سه المكتوم، و سرج عبد الأحد امباكي، أخذ نجم النظام الاشتراكي الذي لم يف بوعوده إلى الأفول، ممّا أصاب الشعب بخيبة أمل كبيرة، فتسلّل اليأس إلى قلوبهم تسلّل النوم إلى الأجفان، أو الدّاء إلى الأبدان، لم تترك الأزمة الاشتراكية مجالا إلا طرأه، ولا بابا إلا قرعه، ولا قطاعا إلا دلف فيه، مما أثارة ثائرة الشعب والمعارضة وكل الغيورين بوطنهم، وكان من ضمن المتحمّسين للتغيير السيّد محمد المصطفى سه المكتوم؛ لألف سبب وسبب، كان – ومازال- إلى جانب حماسته النّادر، وشجاعته الفريدة، تتميز بحنكة سياسية دفينة، ما جعل مساعدته لعبد الله واد يحاسب له ألف حساب. كانت الوحشة متأججة بين النظام الاشتركي والشعب السنغالي، إذْ حدّد الموكب الرئاسي تجولاته خوفا من اعتداءات الشعب، كما فعل شباب اتياس في 1988م عندما أمطروا عليه وابلا من الأحجار، وقد فوّه الرئيس جوف عند ما سأله صحفيّ، كيف رأيت الشباب السنغالي؟ فأجابه:( إنّه شباب عديم الأخلاق)، إلّا أنه سرعان ما يزكّي شريحة من الشباب عام 1889م في الندوة الفكرية العالمية للشباب الإسلامي التي نظمتها دائرة المسترشدين والمسترشدات، فيقول: ( أعرف أن في بلدي شباب تتمتع بالأخلاق، ولا شك أنها أنتم) إنّ التحالف بين المعارض عبد الله واد وهذه الشريحة المميزة بزعامة مؤسسها السيد محمد المصطفى سه كان شديد الوطأ على النظام، ولم يكن تقبّله سهلا، وفي 21/فبراير/1993م أُجريت انتخابات رئاسية في أرض الوطن، التي فاز فيها الاشتراكيون(عبد جوف) فتناولتْ ألسنةُ المعارضين وشريحة كبيرة من الشّعب النتائجَ بالرفض، وعدم القبول، والشكّ من شفافيتها، لكنّ انتقاداتهم ظلّت كصراخ في واد، أو نفخ في رماد، وفي يوم الأحد 9 مايو من نفس السّنة أقيمت الانتخابات التشريعية التي كانت سببا لمقتل الأستاذ بابكر سَي، وكان إصبع التهمة مشار إلى المنافِس الذي لم يتيقن من فوزه، ما خلق جوا من الفوضى والاضطرابات، فتمّ إلقاء القبض على( السيّد كلدور سين، وباب إبراهيم جختي، وحسن فال) و تأججت نيران المظاهرات والاحتجاجات بعد الإعلان بفوز الحزب الحاكم، وفي لقاء سياسي أبرمه الحزب الديموقراطي في 23 أكتوبر 1993م أخذ زعيم المسترشدين السيد محمد المصطفى سه الكلمة، وكان ممّا صرّح به ( أن النظام الاشتراكي يعاني من ثلاث أزمات: أزمة سلطة، وأزمة أهلية، وأزمة ثقة) التصرّيحات كانت سببا في إلقاء القبض عليه في 30 أكتمبر 1993م بتهمة الإهانة، والاحتقار بشخصية رئيس الدولة، وفي 16فبراير 1994م نظم تجمع القوى الديموقراطية(CFD) لقاء سياسيا، وكان هذا التّجمع يحشد في أحضانه أكبر القوى السياسية المعارضة وقتئذ، حضره جمع غفير من السناغلة، وقد عقبتْه مظاهرات عنيفة لم تشهد البلاد لها مثيلا، فانتشر الناس في الشوارع كالحب المتراصف على العنقود، فكانت سببا لمقتل ستة أشخاص من عناصر الشرطة، فتمّ إيقاء المعارض عبد الله واد الذي أطلق سراحه بعض برهة من الإضراب، وعدد كبير من أعضاء الدائرة تمّ إدانتهم إلى السّجن، وتعذيبهم ما بين ضرب، وعنف، وقتل ومثال امبي صامب أو لمن صامب أقرب دليل، وأجريت محاكمة السيد محمد المصطفى سه مرتين بغيابه بداية من يناير 1994م وأدين أخيرا بتهمة الاختلاس بالأمن العام.
ويجدر التنويه على أن المسترشدين وزعيمهم كانوا ضحايا هذه القضية والنظام الاشتراكي الذي أثقلته تباريح الهموم، وأحاطت به المنغصات والمصاعب إحاطة السوار بالمعصم، فالحركة التي لم تنظم التجمعَ، ولم يكن زعيمها حاضرا بريئة من هذه التهمة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

                          الكاتب: محمد جميل اندوي

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici