ضيف العدد لمجلة اقرأ : “أعجبني في الشيخ أحمد الصغير لوح عدم تمييزه بين الطلبة لاعتبارات اجتماعية أو عرقية أو طرقية ” .

0
722

فضيلة الشيخ أحمد الخيري جوب بن العلامة الشيخ مور جوب (رحمه الله) مؤسس معهد تيسير العسير لتحفيظ القرٱن الكريم وتدريس الشريعة الإسلامية في مدينة اندر ، وارث والده في إدارة هذه القلعة العلمية ، وأحد أبرز خريجي معهد كوكي الإسلامي هو ضيف مجلة “إقرأ” في عددها السابع.

  • المجلة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ ؛ بعد التحية العطرة من أعماق قلوبنا إلى حضرتكم السامية تتشرف المجلة باستضافتكم في عددها السابع.

-الضيف : ‘السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أرحب بكم في هذه القلعة العلمية القرٱنية التي أسسها الوالد الشيخ مور جوب (طيب الله ثراه) ، و نحييكم كما نحيي جمهور القُرّاء وعلى رأسهم شيخنا المحترم الحاج مختار نار لوح حفظه الله ورعاه وأمده بالصحة والعافية في خدمة البلاد والعباد كما أتشرف جدا بأن أكون ضيفكم في هذا الحوار .

  • المجلة : بداية، نود التعرف على تاريخ ذهابكم إلى كوكي وفي أي ظروف تمّ ؟

-الضيف : لقد التحقت بمعهد كوكي الإسلامي مبكرا، حيث لا أتذكر بالضبط تاريخه، لكن وفق ما نقلت من والدي فإنه يوافق سنة وفاة الشيخ محمد البشير امباكي بن الشيخ الخديم رضي الله عنهما وهي سنة 1966 ، و كنت طفلا صغيرا جدا ، لدرجة أني لم أبدأ الدراسة مباشرة.
كان الشيخ (تالا جاو ) رحمه الله قد نزل على الوالد ضيفا خلال مدة وجيزة في اندر ، وأثناء عودته إلى كوكي قرّر والدي أن أصاحب الشيخ (تال) في هذه الرحلة، فوفّق الله ذلك أن يكون رحلتي الأولى إلى هذه المدينة العريقة التي أسسها أحد أجدادي المرحوم مختار نمب جوب رحمه الله.
نزلنا في كوكي مساءً ، ففوجئنا بلقاء الشيخ أحمد الصغير لوح عند محطة القطار، فأخبره الشيخ تال جاو بأن هذا الولد ابن صديقكم الوفي في اندر الشيخ مور جوب جاء ليحفظ القرٱن الكريم على أيديكم المباركة تجديدا للعهد والوفاء.

وكان رد الشيخ أحمد الصغير لوح هو أن هذا الولد يشبهني طفلا لا يستطيع بدء الدراسة في هذه المرحلة، لكن حِفاظا على علاقتي الأخوية القديمة مع والده سوف أرسله إلى بيت جده الشيخ (عبد الحَليمَ جوب) حتى يبلغ سنّ الدراسة.

فمكثت عند الشيخ عبد الحليم جوب – رحمه الله – مدة طويلة، لا أتذكرها بالضبط حتى أرسل الشيخ أحمد الصغير لوح يوما رجلا ليبلغه بأن الولد الذي كان تحت رعايته يجب أن يأتيَ إلى المعهد ليبدأ الدراسة.
فوفقني الله أن بدأت الدراسة متهجيّا على يدي المقرئ (سرين تيام جوب ) ، والذي حفظت عليه جزءا كبيرا من القرٱن، ثم واصلت مع الشيخ (مختار دَيْمَانْ جوب) إلى أن أكملت حفظ القرٱن الكريم ، وقد حالفني الحظ بعرض القرٱن الكريم كاملا على شيخنا الحاج مختار نار لوح المدير الحالي للمعهد.

-المجلة : ماهي الأسباب التي دفعتكم إلى الالتحاق بمعهد كوكي الإسلامي في بداية مشواركم العلمي ؟

-الضيف : كان السبب الرئيسي لذهابي إلى كوكي يعود إلى ما قبل ميلادي، حيث يرتبط والدي مع مؤسس معهد كوكي الإسلامي الشيخ أحمد الصغير لوح ( رحمهما الله ) بعلاقة أخوية وطيدة وحميمة كانت أُسَسها التعليم والتعلّم لكتاب الله العزيز.

“حكى لي الوالد أنه زار الشيخ أحمد الصغير لوح في كوكي، فقال له شيخنا كيف تأتي بفلذة كبدك -ابنك- إلى هنا ، وأنت تحمل رسالة الأنبياء كما أحملها ؟ ، فأجاب عنه الوالد: <<بما أنك تحمل الشمعة التي تحترق لتنير درب المسلمين ، فأريد من خلال ابني أن أكون من الذين يُسهمون في الحفاظ على الشمعة هذه >> .
فقال له شيخنا أحمد الصغير لوح لقد كنت وفيا بالعهد ، ومُساعدا على قضاء دين كان على عاتقي؛ لأني عندما حفظت القرٱن الكريم أمرني سمّيي مام شيخ امبي الكبير بأن أزور مدرسة مور ما أنت جوب في قرية Keur Manta Diop لتقوية حفظي وتحسينه فتحقق ذلك على يدي خالك” .

-المجلة : طيب؛ هل من الممكن أن تحكي لنا حدثا مثيرا لا يزال خالدا في ذهنكم خلال مسيرتكم العلمية في كوكي ؟

-الضيف : أتذكر خلال دراستي في كوكي ، أني كنت طفلا نحيفا ممراضا كثيرا لدرجة أن شيخنا أحمد الصغير لوح طلب يوما من الشيخ عبد الحليم جوب بأن يذهب بي إلى مدينة اندر لتلّقي العلاج .
وكان الشيخ عبد الحليم جوب بدوره أبلغ ذلك للوالد في رسالة نصية، منتظرا رده، إلا أن الشيخ مور جوب تجاهل عنها لفترة طويلة، ولم يرد عنها، حتى نزل يوما في قرية بِلَلْ جوب من أجل تقديم تعازيه لأحد أقرباءنا هناك، فانتهز الفرصة لزيارتي في كوكي.

و لدى وصوله إلى المعهد، وجدني الوالد في حالة حرجة و كنت طريح الفراش لا أستطيع تحريك عضلاتي ، فطلب منه شيخنا أحمد الصغير لوح بأن يذهب بي إلى اندر من أجل العلاج، لكنه رفض ذلك بتاتا بسبب ماتعهّده معه ، فكان رده :
<< أَتركه يبقى معك ؛ فإذا أعاد الله صحته فالحمد لله، وإما إن جاء قدره ، فيمكن دفنه في مقبرة الطلاب، >> ، وقد حقّق الله أمنيّته أن جعلني حافظا لكتاب الله العزيز بسلام وأمن وعافية في كوكي ، وهذا بالفعل من أجمل الذكريات التي تبقى دائما في ذاكرتي .

-المجلة : حدثنا عن الشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله، وما هي الأشياء التي تأثرت كثيرا فيكم خلال مسيرتكم في كوكي؟

-الضيف : يتميز شيخنا أحمد الصغير لوح رحمه الله بمواهب كثيرة ، فهو مُحَّفَظ قدير في تعليم وتربية الأجيال الناشئة، تراه دائما بمظهر لافت للنظر ؛ يتمثل في عمامته و ملبس ذي وقار، جالسا دائما على حصير متواضع، فهو بالفعل رجلٌ نحيف ، أنيق بوقار وهادئ بحكمة.
ومن الأشياء التي لفتت انتباهي كثيرا أنه قبل أن يؤّم الصلوات الخمس، كان يجمع الطلاب في مسجده و يسوي الصفوف برجله المباركة، واعظا أو تاليا للقرٱن أحيانا. كان يستفسر دائما عن حال طلابه و يتفقدهم ، و يجوب بين الحلقات أثناء الدراسة، ويمشي بكل بطئ و بكل هدوء ، وصوته هادئ ومهيب ، فأحاديثه وحكاياتها كلها موعظة وحكمة .
فهو طبيبٌ في العلاج و قاضٍ في الحكم، و معلم جمع بين الأصالة والحداثة ، و مرّبٍ متمكن في التكوين.
ويعجبني في تربيته تَبَنِّي المساواة الاجتماعية دون تمييز بين الطلبة في الفوارق الطبقية ولا في الانتماءات العرقية والدينية.

-المجلة : ماهو مشواركم العلمي؟

-الضيف : بعد مغادرتي معهد كوكي الإسلامي في عام 1973 ، أمرني الوالد أن أبدأ الدراسة على يدي أحد مشايخ المجالس العلمية في اندر، وهو الشيخ (سرين مور جار انجاي ) الذي انتقل أخيرا إلى بكين في حي (غَانَاوْ رَايْ ) من ضواحي العاصمة دكار.
بدأت عند هذا الشيخ ، تعليمي الأساس في الكتب الفقهية ومبادئ اللغة العربية، ثم قرر الوالد إعادتي إلى اندر من جديد ليضعني تحت أيدي نخبة من أعمدة المراكز العلمية في هذه المنطقة، فمررت عند
(سرين دام سار) و (بابو جانج) ثم (علي صو) .

بعدها ، سافرت إلى موريتانيا عام 1977 ، عبر روسو حتى وصلت إلى قرية بوتلمي ، فمكثت هناك 5 سنوات درست هناك القرآن الكريم والتجويد ثم انتقلت إلى قرية “هلك ” حيث كان السيد (ناجي محمد) قاضيا شرعيا في هذه القرية وكنت نزيلا عليه في عقر داره ، درست عنده مختصر خليل و تحفة الحكام حتى أنهيت تقريبا جميع الكتب الفقهية .
وبعدها عدتُ إلى مدينة اندر ، فلم يحالفني الحظ في الحصول على منحة دراسية ، فقررت متابعة الدراسة في الثانوية العربية في نواكشوط حتى تحصلت على الباكالوريا ، وتم قبولي في معهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ، كما التحقت أيضا في كلية العلوم القانونية والاقتصادية ، لكن لسوء الحظ لم أتمكن من الحصول على الليسانس بسبب التوترات السياسية بين موريتانيا والسنغال في عام 1989 ، الأمر الذي تسبب ترحيلنا إلى السنغال .

وبعد فترة وجيزة ، وفقني الله في الحصول على منحة أخرى من منظمة المؤتمر الاسلامي فتابعت دراستي في جامعتها الإسلامية بالنيجر وتخرجت في كلية اللغة العربية عام 1997 حاصلا على شهادة المتريز .
وبعد العودة إلى البلاد وإلى وقتنا الحاضر ، ما زلت أدير هذا المجلس العلمي مساعدا الوالد في تسيير أمور المعهد.

  • المجلة : أنتم الٱن تديرون هذا المعهد المبارك معهد تيسيير العسير خلفا للوالد عليه رحمة الله، فهل من تعريف للمعهد؛ نشأته وأهم إنجازاته ؟

-الضيف : لقد أسس الشيخ مور جوب مدرسته القرآنية هذه بإذن من خاله ومرشده الروحي، الشيخ جبريل جوب رحمه الله تعالى عام(ت 1954م)،وابتدأ التعليم في حي (بَلكوْسBalacose) بمدينة اندر، قبل أن ينتقل عام 1957م إلى سكنى حي جامكن Diamageune )، ثم إلى سور داغا (Sor Daga) عام 1977 م في نفس المدينة، فكانت هذه التَّنَقُّلات بمثابة ثلاثة مراحل مرَّ بها المعهد… إلى أن استقر أخيرا في حي سُورْ دَاغَا منذ سنة 1977،وهذا يعني أن المعهد عاش ما يزيد على ستين سنة ، وكان عدد طلابه ٱنذك 28 طالبا، بخلاف عدده الٱن الذي تجاوز ألف طالب في جميع أقسام المعهد، وكلهم يتعلمون مجانا.
و المعهد يتألف من ثلاثة أقسام :

  • قسم التحفيظ : للطلاب الداخليين والخارجيين من سكان مدينة اندر .
  • المجلس العلمي : للحفاظ وغيرهم من الذين يرغبون تعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.
  • المدرسة العربية الفرنسية : للذين يرغبون في الالتحاق بالبرامج النظامي الحكومي من خريجي المعهد أو من غيرهم من سكان اندر وضواحيها.
    كما أن الشيخ المؤسس في آخر حياته قد قسّم المعهد إلى فروع ، وأنشأ بها مدارس فرعية كثيرة في دكار، و اندر و تييس و طوبى وفي مناطق متعددة .
  • المجلة : ماهي كلمتكم الأخيرة ؟
  • الضيف : إن كلمتي الأخيرة عبارة عن شكر وتقدير وامتنان نوجهها إلى جميع أعضاء هيئة التحرير لمجلتكم الموقرة، وندعو الله أن يبارك في جهودكم وجهادكم.

و نتضرع في الختام إلى الله عز وجل أن يبارك في عمر شيخنا الحاج مختار نار لوح ويسدد خطاه و جميع معاونيه في معهد كوكي الإسلامي، وشكرا لكم على هذه الاستضافة التي أتاحت لي فرصة الحديث مع الجمهور العريض من أبناء المدرسة القرٱنية والقائمين عليها.

أجرى المقابلة / أ. راسين جوب. (دار كوكي تيفي)
وحررها : أ. محمد الأمين غي وشيخ أحمد تجان فاي

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici