مقالة / تلك عشرة كاملة

0
28

بقلم الكاتب / محمد جميل اندوي

إنّ من سنّة اللّه على رسله أن يكونوا من زبدة الخيار و أفضل الدّيار وصفوة الأنام، وأن يكونوا مثالية لا ترى
فيها عوجا ولا أمتا، وتلك شنشنة قديمة ، تعدت إلى العلماء والأولياء الذين هم ورثة الأنبياء ، و مرمّمي البنيان، ومجدّدي الأديان، وبدون أدنى شكّ، فالسنغال طافحة بهؤلاء العظماء والعلماء ، كما لا يمترى اثنان أن السيد محمد مصطفى سه المكتوم من هذه الشرذمة، لمّا حققت من نتائج روحية وأخرى إنسانية على حساب العلمية والاجتماعية التي يراها الرائي كوميض الجمر من بين الرماد المتكاثف؛ ولهذا سنحاولا في السطور الموالية وضع نقاط على عشرة ميزة من تلك الصفحات الناصعة التي لا شائبة بها.

1- فهو من أكبر العقول التي أنجبتْها النزعة الصوفيةُ ، انحدر من جذور عريقة في النسب، وحوى من الشرف الطيني ما يشار إليه بالبنان، رأى نور الوجود في أرض تواون ، حيث جاء جدّه السيد الحاج مالك سه بطلب من أهلها يزكّيهم، ويعلّمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وأبوه الشيخ أحمد التجاني سه المكتوم ، المتصوف بلبوس معاصر، الشاعر العظيم، والفيلسوف الحكيم، والسياسي المحنك، من حرّر المشيخة من مجرد تشيّخ عار إلى تحرّك تام في عالم الأحلام وترك الأوهام، كان رجلا صلبا، اشتهر بالشجاعة والجسارة، فهو أول رجل دينيّ تجاوز الخطوط الحمراء التي كانت الساسة تضعها أمام رجال الدين، و قد تزامن ولادة المصطفى تفاقم الأحداث السياسية في البلاد، ومحاولة والده المكتوم سدّ الفراغ الذي بالكاد أن يتفتح بعد وفاة جدّه شيخ الخليفة أبي بكر سي، وقد صرّح في إحدى محاضراته قائلا:( عندما رأى ابني نورَ الوجود، قال لي أحد أوليائي، كنتُ أظنّكَ تسميه سومر كيتا) أما جذوره من قِبل أمّه، فهو ابن السيّدة البارّة، صفية ديم بنت أحمد ديم بن محمد الأمين بن أحمد ديم (سوكون)، فجدّه من أمّه كان جبلا شاهقا، و قامة علميّة كبيرة ، و مثقفا متضلّعا بالعلوم الشرعيّة والدينية، فهو صاحب تفسير ضياء النّيرين في علوم الطائفتين.
2- تلقى العلم من منابعه الأصيلة، ومناهله الصافية التي لا تنضب ، فبدأ ارتضاع أبجديات المعرفة في محضر جدّه السيد الحاج مالك سي، فتعلم القرآن الكريم، وحفظه عن ظهر القلب، وتشحّن بطاريته المعرفية على أيدي سادة عظماء، منهم الشيخ حسين جين، والسيد باب مالك سه، والشيخ آمد لي، والشيخ بكري غي، ما أملأ وعاءه المعرفي الذي يفيض كلما واتَتْهُ الفرصة.
3- امتلأ جعبته الصوفية بإدمان قراءة الكتب الصوفية الأصيلة، والعكوف عليها، وفكّ رموزها، والوقوف على محتوياتها، قراءة نقديّة ثاقبة، فيهلك نفسه على هضم محاضرات أبيه القدسيّة التي تضع لها الملائكة أجنحتها حبّا وإعجابا، فيَسوغ منها مساغ الماء العذب في الحلق الظامئ، يجد منها يشفي غليله، ويُلبّي توقعاته، فجمع بين التنزيل والتأويل، والمسطورة وما بين السطور، حتّى تخرّج فيها بشهادة الكفاءة التي أهّلته بتربية أتباعه.
4- تعلّم اللغة الفرنسية وبرع فيها وأتقنها نطقا وكتابة بمحض جهده، كان يقتني الكتبَ الفرنسية ليهضمها بنفسه، وكان بصدد ذلك يقول لأحد أصدقائه » إن لنا رسالة نؤديه غدا …ويلزمنا هذه اللغة ».
5- شارك في الجمعيات التنموية والحركات الشبابية والرياضيّة في محيطة، فلم يكن منعزلا عمّا كان يحدث في محيطة، بل اتصل بها اتصال اللحمة بالسّدى، يهتم بكل كبيرة وصغيرة فيها، ليقرأ معنويات الشباب الذين جعلهم فيما بعد بؤرة اهتمامه.
6- بارد في إنشاء حركة المسترشدين – ومن معه – تخليدا لمآثر أجداده، وتجسيدا لنوايا والده المكتوم، وكان حينها شابا ريّق الشباب، في العمر الذي ترى فيه عيون أقرانه بالحماسة والقوة، أكثر مما ترى بالعقل والبصيرة، فحرّم على نفسه الدّعة والرّاحة، وجاهد في الله حقّ جهاده، حتى أصحبت الحركة نجمة تتطاول نحوها الأعناق.
7- انتقل من مسقط رأسه « تووان  » إلى عاصمة السنغال « دكار  » في معترك الحياة، و صراع الحضارات و التيارات المختلفة، حيث ينجرف الشاب وراء ما يسمّى بالركب الحضاري، فاختلط برجال يغايرونه في كلِّ شيء، فحقّق فيهم كلَّ شيء.
8- أسلوبه في التربية : يرحب بالجديد النافع، والقديم الصالح، ويتبنّى منهجية التسلسل التدريجي، مبنيا إياها بالكتاب والسنة، فحقّق حلما بعيد المنال، ومثالا مغرقا في الخيال، وأملا قريبا من المحال.
9- إنّه رمز الأخلاق الحسنة، والشيم العالية، صدوق إذا نطق، و وفيّ إذا وعد، وصريح إذا تكلّم، وثابت على مبادئه ثبوت جذور الشجرة على مَنبتها، كريم جواد، يُخجل جودُه الغيثَ إذا غمى والبحرَ إذا طما.
10- مواقفه البطولية: واجه الحكومةَ الغاشمة مع كلّ استبدادها، وتسلّطها على الرعية، وسياستها التّدميرية، وحِيلها الشيطانية، فذاق في سبيل ذلك كلّ صنوف المحن والإحن، وتناولته المصائبُ من قريب وبعيد، وأُحيل إلى السجن، وأُضيق عليه الخناق، لكنّه لم يتضعضع في الدّفاع عن مبادئه لحدّ الآن.
هذا هو محمد المصطفى سه المكتوم الذي اختارته الظروف والأوضاع ليكون خير داع، وخير معبر عن المجتمع، فحُقّ لنا أن نضع في أوصافه مذاهب الاستعارة والمجاز.

      

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici